ابتزاز … تحقيق استقصائي يتتبع تعرض فتيات يمنيات لابتزاز من قبل مخترقي الحسابات الإلكترونية

 

تعز -سحر محمد

“حصلت على صورك وإن كنتى تشكين سأبعث لك واحدة الآن ” رسالة واتس اب ظهرت فجأة من رقم غريب على هاتف سلمى احمد (اسم مستعار) في مساء أحد ليالي أغسطس الماضي تحت هول الصدمة رمت سلمى هاتفها وإعادة التقاطه مرة أخرى وهى ترتجف لتتأكد من صدق ادعاء المرسل، ارسلت له رسالة لتتحقق من ادعائه ،و اذا به يرسل بسيل من الصور الشخصية المخٌزنة على هاتفها وذيلها برسالة مساومة من أجل إرسال مبلغ من المال (100 الف ريال يمني ما يعادل 70دولارا في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية ) وإلا ستكون كل هذه الصور منشورة للعامة على صفحات التواصل الاجتماعي .

بعد محاولات حثيثة حاولت سلمى إعادة توازنها، وبعد تفكير اهتدت للتواصل بالمهندسة نور خالد المختصة في مجال التقنية والأمن الرقمي والتي تعمل في منظمة “يوديت” أحدى المنظمات القليلة الناشطة في مجال الحقوق والأمان الرقمي على شبكة الانترنت في مدينة عدن، تبين بعد فحص الصور المرسلة انها صور محفوظة في ذاكرة تطبيق السناب شات ومساحة التخزين على جوجل درايف الخاص بجهازها.
تقول المهندسة نور خالد بأن سلمى مثل كثير من الفتيات اللواتي تتعرض هواتفهن للاختراق والقاسم المشترك بين أغلب الضحايا هو التطبيقات ذات الحماية الضعيفة والمليئة بالثغرات الأمنية مثل تطبيق سناب شات”

تتابع نور” للأسف معظم الفتيات تتجاهل أبجديات حماية حسابها الشخصي مثل التحقق بخطوتين و اختيار كلمة مرور معقدة، الأمر الذي يجعل استخدام برنامج اختراق بسيط و تطبيق بعض الاكواد على حساب السناب الشات وبعض التطبيقات أكثر سهولة للوصول إلى الصور المخزنة في ذاكرة السناب و منه قد يصل المخترق الى الايميل و يتمكن من تحميل الصور المخزنة على جوجل درايف في حال كانت الصور في وضع مزامنة”.

عملت سلمى بمساعدة المختصة نور خالد على تطبيق أول قاعدة من قواعد التعامل مع الابتزاز ” الهاك يساوي الصفر”، حيث بدأت بتثبيط كل حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي لتلغي مؤقتاً هويتها الرقمية المخترقة وغيرت شريحتها لتسد كل الطرق للمبتز للتواصل معها.
شهر مر على سلمى كان مليء بالقلق والرعب والترقب ولكن شيء لم يحدث، فعندما لم يجد المبتز أي تجاوب و فشل في المساومة للحصول على المال ذهب للبحث عن ضحية أخرى!

 

يعرف الابتزاز الإلكتروني(ويكبيديا) بأنها عملية تهديد وترهيب للضحية بنشر صور أو مواد فيلمية أو تسريب معلومات سرية تخص الضحية، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة/غير أخلاقية لصالح المبتزين. وعادة ما يتم تصيد الضحايا عن طريق البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة كـ الفيس بوك، تويتر، وإنستغرام وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي.

 

في هذا التحقيق الذي استمر العمل عليه لثلاثة أشهر تتبعنا تعرض أكثر من 31 فتاة يمنية من محافظتي عدن ” 363 كيلو متر جنوب العاصمة صنعاء “ و إب ” 198 جنوب العاصمة صنعاء ”، 50% من هذه الفتيات كنا من محافظة عدن فيما تتوزع النسبة الباقية على بقية المحافظات، وبينما كان اثنين من هؤلاء المبتزين من خارج اليمن كان 92% منهم من اليمن وعبر ارقام يمنية، وتواصل جميع هؤلاء المبتزين مع الفتيات عبر تطبيق الواتس أب .

من بين تلك الفتيات كانت هناك محاولتين لفتاتين من إب وعدن حاولن الانتحار، خوفًا من الفضيحة، ولكي لا يُفضح أمرهن ويعلم اهاليهن خبر تسريب صورهن أو ينفذ المبتز تهديده وينشر الصور للعامة على مواقع التواصل الاجتماعي، من بينهن سارة.

 

الألاعيب النفسية.. سلاح المبتز

في أحد الأيام تتفاجأ سارة (اسم مستعار) بصورة شخصية لها مرسلة من رقم غريب على حسابها في الواتس اب. المرسل أخبرها أنه يملك صور أخرى حصل عليها من ذاكرة هاتفها التي وجدها صدفه. الهلع والخوف أفقد سارة صوابها وقدرتها على التحقق من صدق ادعاء المبتز، سرعان ما وقعت سارة في ألاعيب هذا المبتز الخبيث الذي طلب منها إرسال مزيد من الصور وإن رفضت سيقوم بنشر كل الصور التي بحوزته.

 الخوف من شبح الفضيحة جعل سارة ترضخ لرغبات المبتز لتجد نفسها بعد إرسال صورها في ورطة حقيقية، فقد اتضح لها أنها وقعت في مكيدة قذرة، ذاكرة الهاتف خاصتها مضى على فقدانها عام كامل، والصورة التي هددها بها أول مرة كانت قد التقطت لها من غير أن تدري في أحد المناسبات الاجتماعية على يد أحد المتعاونات مع المبتز. أدركت سارة الفخ بعد فوات الأوان، فقد تجاوز المبلغ الذي أرسلته للمبتز أكثر من مليون ريال يمنى، وإلى يومنا هذا والمبتز يطالب ضحيته بإرسال مبالغ مالية وهي عاجزة عن التصرف.

تقول سارة ” لا أعرف أين أذهب، المبتز يتواصل معي من شرائح جديدة يصعب التعرف على هويته بالتطبيقات الكاشفة للأرقام ولا أستطيع اللجوء للجهات الأمنية لان بمجرد وصول الخبر لأهلي مصيري سيكون الموت المحقق على يد أخي“.

و عن وصف الحالة النفسية التي تصيب غالبية ضحايا الابتزاز خصوصًا الفتيات تقول اخصائية الطب النفسي الدكتورة لمياء إبراهيم “ينجح المبتز في جر ضحيته في بحر من الوساوس النفسية التي قد تصل إلى القهرية، تغرق الضحية في التفكير المتواصل و ضعف التركيز، و قد يدفعها القلق و الهلع الشديد إلى العزلة والأرق، كل هذا يؤثر سلبًا على نشاطها الأسري و الاجتماعي “.

تضيف الاخصائية النفسية ” تكون الضحية عرضة للشعور بالدونية وضعف الثقة في النفس وجلد الذات المستمر إلى جانب هوس الضحية بالبحث المستمر بكلمات مفتاحية موصومة مثل ” فضحية “في محركات البحث ومواقع التواصل ”

دائما ما يلعب المبتز على وتر خوف الضحية من أهلها ولكن تظل تبعات أن يعلم الاهل أهون بكثير من تبعات الاستجابة لطلبات المبتز بحسب الدكتورة أنيسة دوكم اخصائي علم النفس في جامعة تعز. تقول دوكم ” اذا حصل و وقعت الفتاة في فخ الابتزاز فلابد من الوضوح ومصارحة الأهل و العمل على جعلهم سند وظهر لها ”

تتابع الدكتورة لمياء” اذا لم تستطع الضحية التغلب على الازمة النفسية فعليها الاستعانة بمختص نفسي و الذي قد يلجأ إلى العلاج النفسي الجماعي، فشعور الضحية أنه ليس لوحدة بل أن هناك الكثير ممن مروا بنفس تجربة الابتزاز تساعد الضحية على التعافي و الدعم النفسي.

 

 

الجهات الأمنية ضعف ثقة وامكانيات محدودة

خوفاً من الفضيحة ووصول الخبر لأهالي الضحايا، قليل جداً من النساء من تلجأ إلى إبلاغ الجهات الأمنية بحسب رئيس قسم التحريات في البحث الجنائي في مدينة تعز جنوب اليمن الرائد محمد باعلوي، “حتى أن أحد الضحايا قدمت البلاغ منتحلة شخصية أخرى خوفاً من أن يصل الخبر إلى أبوها،” المبتز كان يقود دراجة نارية خطف الهاتف من يدها وهي تمر في أحد شوارع المدينة.

” خلال عام 2020 لم تتجاوز عدد بلاغات النساء التي وصلت إلينا السبع حالات، ونجحنا من تخليص الضحايا وإلقاء القبض على المبتزين بنسبة 90%”.

بحسب باعلوي تحاول شعبة جرائم الهاتف النقال في البحث الجنائي تتبع المبتز بكل الطرق المتاحة رغم الصعوبات المتعلقة باستجابة شركات الاتصال المتواجدة في صنعاء الواقعة تحت سيطرة قوات الحوثي. يقول باعلوي” غالبًا ما ترفض طلبات الكشف عن هوية أو مواقع اصحاب الشرائح التي يستخدمها المبتزين ولكننا نستعين بالفريق التقني الخاص بالشعبة لتتبع المبتزين تارة وبتتبع الحوالات المالية تارة أخرى” وقال ان عملية تتبع المبتزين ليست بالأمر السهل في ظل الإمكانيات المحدودة، و لكن الأمر يزداد صعوبة اذا كان المبتز ينتحل هوية مزيفة على صفحات التواصل الاجتماعي بحسب باعلوي.

 

الخوف من الوصم المتعلق من فكرة إبلاغ الجهات الأمنية من الاساس وثقافة لوم ضحايا النساء تزعزع ثقة الضحايا في الجهات الأمنية.

الجرائم الالكترونية وغياب التشريعات

مع تسارع التطور التكنولوجي والانتشار الواسع الذي شهدته وسائل التواصل الاجتماعي وجعل العالم قرية صغيرة إلا أن حالات الانتهاكات و الجرائم الإلكترونية زادت هي الأخرى بشكل ملحوظ الأمر الذي دفع كثير من الدول  91%  من الدول حول العالم إلى سن تشريعات تستوعب هذا النوع من الجرائم، و في نطاق الدول العربية هناك 18 من 22 دولة عربية حددت عقوبات للجرائم الإلكترونية ضمن قانون العقوبات، فعلى سبيل المثال في المملكة السعودية حددت عقوبة الابتزاز الالكتروني و التهديد بنشر الصور بالسجن لمدة عام و غرامة قدرها 500 ألف سعودي أو أحدى هاتين العقوبتين. واتجهت 15 دولة عربية إلى أتاحت خطوط لمساعدة ضحايا العنف الإلكتروني.

الوضع الغير المستقر في اليمن منذ 2015 وانقسام البلد بين قوى النزاع حال دون انعقاد جلسات البرلمان السلطة التشريعية في اليمن بحسب الباحثة الحقوقية دكتورة ميداء عبد الله ” يتم التعامل معها كجناية ويُعتد بالدلائل المقدمة بحسب كل قضية وتتخذ العقوبة وفق ما يراه القاضي”

يقول المحامي والناشط الحقوقي مازن سلام ”لا وجود لنصوص صريحة تحكم الجرائم الإلكترونية في اليمن الأمر الذي يضطر القاضي الى اخضاع الأفعال وتجريمها وفق القواعد العامة للقانون الجنائي وهي بالتأكيد قاصرة من أن تشمل كافة أوجه النشاط الإجرامي الالكترونية تعقيداته وتطوراته ناهيك عن قلة خبرة المنظومة الأمنية والقضائية في الأمور التقنية“.

 

الحسابات الوهمية على فيسبوك.. قناع الابتزاز

السهولة في الحصول على شخصية وهمية باستخدام ايميل على صفحات التواصل الاجتماعي تساعد المبتزين في الاستمرار فى اصطياد ضحاياهم و ممارسة كل أنواع الابتزاز والذي قد يصل بالبعض بتنفيذ تهديده و نشر صور الضحية على الحساب الوهمي في فيسبوك دون الكشف عن هويتهم أو حتى تتبعهم .

حسب تقرير فيسبوك للعام 2021 الحسابات الوهمية تشكل 5% من إجمالي المستخدمين على مستوى العالم ، خلال الربع الثالث من العام تم تطبيق الإجراءات مع 1.8 مليار محتوى زائف و 9.2مليون محتوي تنمر و تحرش في نفس الفترة.

وللسيطرة على الحسابات الوهمية و في سبيل الحد من التحرش والانتهاكات عملت شركة مثل فيسبوك على تطوير خوارزميات ذكاء اصطناعي للكشف عن الحسابات الوهمية و ذات المحتوى العنيف إلى جانب تكوين شبكة من المتعاونين في أغلب الدول للإبلاغ عن الحسابات و المحتوي المعارض لسياسة فيسبوك . يقول الخبير في الأمن الرقمي فهمي الباحث أحد المعتمدين لتقديم بلاغات لشركة فيسبوك ” في حال صادفت محتوى عنيف أو تم ابلاغي بحساب وهمي يمارس أي نوع من الانتهاك اتوجه برسالة عبر البريد الإلكتروني إلى الفريق المختص في شركة فيسبوك للإبلاغ مع توضيح السبب ” و لكن الإشكال الحقيقي بحسب المهندسة نور خالد التابعة لمنظمة يوديت أحد المنظمات المعتمدة أيضا لتقديم البلاغات ، يكمن في الحاجز الثقافي بين دوله محافظه كاليمن و بين فريق فيسبوك المراجع للبلاغات وتقول نور “عادة ما نواجه صعوبة في إقناع الفريق بخصوصية ثقافتنا تجاه انتشار صور النساء لا نجد تفاعل أو إجراءات تقييد من الفريق كونه يعتبر الصورة محتوى غير منتهك“.

وفي حال تم الإثبات القانوني ضد أحد الحسابات التي تمارس الابتزاز، عندها يستطيع الضحية الاستعانة بأحد فرق إنفاذ القانون للتواصل المباشر مع فيسبوك لإيقاف الحساب بحسب الخبير الامن الرقمي و الناشط في الحقوق الرقمية مختار عبد المعز الذي يقول ”اعمل بمساعدة فريق من المحامين بشكل تطوعي في إنقاذ الضحايا في حال انتشار الصور على الانترنت عن طريق تقديم طلبات إنفاذ القانون لفيسبوك، يتم التجاوب بسرعة مع الطلبات وعادة يقيد المحتوي خلال ساعة“.

 

في مواجهة العنف الرقمي كيف تحمي نفسك؟

فضاء التواصل الواسع الذي خلقته وسائل التواصل الاجتماعي أعطى فرصة للتقارب بشكل غير مسبوق إلا أنه أصبح مرتعًا لممارسة الانتهاكات وارتكاب الجرائم الإلكترونية و غير آمن للنساء بشكل أكبر ، فوفق تقرير جديد صادر متى لهيئة الأمم المتحدة للمرأة كشف أن ما يقارب النصف من النساء العربيات يخشين التحرش الإلكتروني، المسح الذي شمل النساء في عدة دول عربية منها اليمن أظهر أن هناك 36% من النساء المستخدمات لمواقع التواصل تعرضن للعنف (تحرش ، ابتزاز ، تنمر) ونصحن بتجاهل المعنفين، بينما تم توجيه 21% منهن إلى إغلاق حساباتهن على مواقع التواصل الاجتماعي . وكشفت الدراسة أن 22% من النساء المعفنات الكترونيا تعرضن للابتزاز الجنسي المباشر.

وهنا ينصح الخبير الرقمي فهمي الباحث النساء بتأمين حساباتها وأجهزتها بكلمات مرور معقدة يصعب تخمينها وتطبيق إجراء التحقق بخطوتين على كافة الحسابات إلى جانب الحذر من فتح أي روابط مجهولة المصدر، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ينصح الباحث النساء بعدم مشاركة أي شيء شخصي قد يسبب لها الضرر لاحقا مثل الصور مع شخص لا تعرفه في الواقع و اختيار قنوات اتصال آمنة مثل تطبيق سيجنال لمشاركة الملفات. 

 

فخ خبيث تنجرف إليه النساء دون وعي أو معرفة بأبجديات التصفح الآمن وكيفية حماية أنفسهن على العالم الافتراضي. الابتزاز الالكتروني لا يهدم نفسية الضحية فحسب ولكن يهدد الكيان الأسري والمجتمع ككل. ولخصوصية ثقافة المجتمع اليمني في التعامل مع النساء وللحد من الانتهاكات اليومية في حق المرأة في العالم الرقمي يجب أن تتحرك كافة الجهود لمكافحة جرائم الابتزاز، وفي ظل غياب مكونات الدولة يجب على منظمات المجتمع المدني سد الفجوة والتدخل لمساعدة الضحايا ونشر الوعي وتوفير الدعم القانوني والنفسي.

 

تم إنتاج هذا التحقيق في إطار مشروع تطوير قدرات الصحفيات اليمنيات في الصحافة الاستقصائية الذي ينفذه المركز اليمني لدعم الإعلام “يهمس” بالشراكة مع صندوق دعم التحقيقات الاستقصائية 

 

330