العمارنة ..عُزلة حدودية مقصية، ومبادرة مجتمعية تنعشها


حيث تكلفة الوصول إلى الدواء تفوق سعره للضعف، وفي قريةٍ مقصيّةٍ من خدمات الدولة؛ كونها المنطقة الأبعد جغرافيًا عن مركز مدينة إب حيث تقع شمال غربها على بعد   40 كيلو مترا، عزلة العمارنة بمديرية العدين، ، القرية المحادّة لمديرية شرعب السلام بمحافظة تعز كانت رحلتنا الطويلة التي تعدّت الخمس ساعاتٍ انطلاقًا من جولة العدين في مدينة إب.

تجد السمة الأبرز لسكان العمارنة هي البساطة، والتفاؤل، والاعتداد بالذات، يتسابق الجميع لاستضافة أي غريبٍ أو عابرٍ للسبيل، دون تفكيرٍ بصعوبة الحصول على خدمات الغذاء في طرقهم الجبلية الوعرة.

يقول رجل سبعيني من سكان المنطقة” عندما يمرض أحدهم هنا فإن تكاليف إسعافه تفوق ثمن علاجه “، مؤكدا أن أحد المرضى أُسعف قبل فترة وجيزة، فكانت نفقات المعاينة والعلاج لاتتجاوز الـ 20 ألف ريال(33 دولار أمريكي)، فيما بلغت أجرة السيارة 30 ألف ريال مايساوي (50 دولار أمريكي).

 

البداية

غادر الشاب ناصر المجيدي من سكان “العمارنة” نحو المملكة العربية السعودية لطلب لقمة العيش، وقد وضع هدفًا بالمساهمة في إصلاح وضع بلدته مسقط رأسه قبل التحسين من دخل عائلته، وبعد أن استقر به الحال في المملكة، قام بتجميع كل أبناء المنطقة من المغتربين وطرح عليهم فكرة توسعة ورص طرق عزلة العمارنة باعتباره مشروع حيوي لصالح الجميع وبالفعل أقنع الجميع ليعرضوا مساهماتهم بكل سخاء.

ومن هناك في أرض الغربة أعلن ناصر عن مبادرته الإنسانية التي أسماها بـ مبادرة ” أصدقاء ناصر المجيدي” وكان هدفها رصف طريق العمارنة من منطقة “الحافة” وحتى قرية “الزنجي”، وقد حضيت المبادرة بتشجيع ودعم جميع أبناء المنطقة؛ فعلى إثرها نفذ ناصر عن طريق لجنة مجتمعية مشهود لها بالكفاءة النزاهة من أبناء المنطقة مشروعًا قضى بتوسيع. ورصف الطرق الواصلة بين قرى عزلة العمارنة.

يقول ناصر المجيدي :” أعلنت عن مبادرتي في العام 2018 وتم تنفيذ المشروع على مرحلتين، الأولى في العام 2019، والثانية عام 2020م، وتم تدشين المرحلة الثالثة قبل الأخيرة 2021م”.

من دوافع المجيدي لإقامة مثل هذا المشروع الذي غفل عنه مكتب الأشغال العامة في المحافظة لعقود من الزمن، المعاناة التي عانى منها كأحد سكان هذه العزلة المقصية من الخدمات، حيث يقول ل دكة :” لاتتمكن فتياتنا من إكمال تعليمهن للبعد الجغرافي للمدارس والمعاهد والجامعات وبسبب عدم توفر طرقات توصلنا بها نخشى على الفتيات أكثر من الفتيان فيكون ذلك سببًا لحرمانهن من تعليمهن كأبسط حق من حقوق بناتنا”.

ويضيف:” كثيرًا ماواجهتنا حالات مرضية في القرية، وخلال مانبدأ بالبحث عن أقرب وسيلة للمواصلات وذلك بعد مشينا على الأقدام برفقة مرضانا لمدة قد تزيد عن ساعة تكون الحالة قد فارقت الحياة، وفي أفضل الأحوال تتفاقم حالتها حيث يصعب بعد ذلك علاجها عقب وصولها إلى أقرب مشفىً أو مركز صحي في المدينة التي تبعد عن عزلة العمارنة مسافة تزيد عن 3  كيلو مترا”.

ومن المواقع الظريفة التي يسردها لنا أحد شباب العمارنة – يفضل عدم ذكر اسمه- أنه حرم من الفتاة التي أحبّها، وكانت زميلة له في جامعة المدينة حيث يقول :” تقدمتُ لخطبتها لكن والدها رفض زواجنا بشدة وكان مبرره هو بعد قريتي عن مركز المدينة، وعدم توفر المواصلات بسلاسة، كذلك لايأمن على ابنته في قرية معزولة عن العالم ومقصية من الخدمات، لهذا فضل تزويجها من ابن عمها الذي يسكن جوارهم في المدينة”.

 

تكلفة المشروع

يوضح المجيدي لـ( ريف اليمن) أن في المرحلتين الأولى والثانية للعامين 2018، 2019م تم تنفيذ توسعة ورصف 900متر  طولي بعرض 4 متر، وبتكلفة بلغت 46مليون ريال يمني مايقرب من( 77 ألف دولار أمريكي)، وحاليا انتهت المبادرة من المرحلة الثالثة بطول  410 متر طولي بعرض 4 متر، وبتكلفة تقدر 21 مليون وخمسمائة ألف ريال مايوازي (36 ألف دولار)، ما يعني إنجاز 310متر، والمتبقي هو 105متر لاستكمال كافة المشروع.

وتشير المشرف الميداني للمبادرة المجتمعية عبدالرحمن العمراني إلى أنه في حال تم إنجاز المرحلة الثالثة فإن التنفيذ الكلي لمشروع طريق المنطقة يصل إلى 70 %، ما يعني أن المتبقي 30%، وبهذا يطالب العمراني المجلس المحلي لمديرية العدين بالدعم لاستكمال بقية الطريق

والمقدّرة بـ 800 متر مربع طولي وبعرض 4 متر، من الرهيمي حتى العبري بتكلفة تصل إلى 21 مليون وخمسمائة ريال (36ألف دولار).

 

تعاون مجتمعي رغم خذلان الجهات القائمة

يؤكد المجيدي بأن جميع الأهالي شاركوا في الإنجاز حسب مقدرتهم، فمنهم من تبرع بالمال، ومنهم من ساهم في توفير الوجبات الغذائية، وقد شارك ودعم بسخاء وعطاء لا حدود له.

كما لعبت النساء في المنطقة دورا حيويا بارزا في إنجاح المبادرة؛ ليساهمن بالجزء الأكبر في إعداد الوجبات الغذائية للعمال بلا ملل خلال ثلاث سنوات من إنجاز المشروع، حسب حديث رئيس المبادرات المجتمعية في مديرية العدين أحمد الشهاري.

ويضيف الشهاري قوله :” رفعنا خطة المشاريع للجهات المعنية في السلطة المحلية والاحتياج الطارئ لمشاريع الطرقات كونها عمود التنمية، وقد قدمناها على هيئة مصفوفة يتم تنفيذها خلال 5 سنوات بتسهيلات حكومية ودعم منظمات خارجية ومساهمة مجتمعية، لكننا فوجئنا بأن أغلب المنظمات والجهات الداعمة ليست سوى إغاثية وتقدم مساعدات عينية وغذائية فقط”.

كما أوضح ممثل اللجنة المجتمعية بالمنطقة عبدالرحمن العمراني، أن المبادرة هدفت إلى تفعيل دور أبناء المنطقة لتحقيق احتياجاتهم من المشاريع التنموية والخدمية الأساسية؛ آملاً بأن تسهم الجهات المختصة والمنظمات في استكمال رصف الأجزاء المتبقية من الطريق بطول 800 مترا نظرا لوعورة وخطورة المنطقة بجبالها الصخرية.

وأشار العمراني إلى أن استكمال أعمال الرصف والتوسعة في الطريق الذي يربط محافظتي إب وتعز سيسهم في تطوير التنمية المحلية في المناطق الواقعة عليه والتي تصنف ضمن المناطق النائية والمحرومة، مثمناً دور المبادرة من خلال رصف ثلثي الطريق في تيسير تنقلات المواطنين وإيصال السلع والخدمات إلى مناطقهم بسهولة أكبر.

مع وصول أول سيارة لعزلة العمارنة كان سكان القرية في فرحة بالإنجاز لم يسبق لها مثيل، وقد أبدى معظمهم مشاعر الراحة والسرور لوصول خدمة الطرقات المعبدة حيث غدت خدمات كثيرة في متناول اليد بشكل أيسر من ذي قبل، ويعتزم المجيدي إكمال بقية دعم المشروع بتعبيد طرق قرية شرعب الرونة المحادّة لعزلة العمارنة، والتي تصنف إداريًا 

133