المشاريع الصغيرة.. نافذة أمل للنازحين


دكة -أبرار بجاش قاسم

“أن يعيش المرء بعيداً عن مدينته التي ترعرع فيها منتقلا إلى مدينة أخرى، أحدى التحديات التي يعرف تفاصيلها النازحون ” بهذه الكلمات تلخص أم إياد قصة نزوحها إلى عدن المدينة التي احتضنتها وأبنائها واستطاعت بفضل تعاون أهلها ودعمهم المعنوي، أن تنهض بمشروعها خلال فترة بسيطة كما تقول.

تضيف: “تركنا بيتنا في تلك الأيام على الرغم من أن البيت ملك في تعز ولكن الوضع كان يسير للأسوأ ولم أترك المدينة الا حينما تضرر منزلنا بالشظايا، ولخطورة الوضع ومن اجل سلامة العائلة، فكرت بالنزوح الى مدينة عدن كونها أقرب وأكثر المحافظات أمانا في تلك الفترة “.

“نزحت من حي الروضة بمدينة تعز إلى مدينة عدن في نهاية 2015، ولم أكن على معرفة بأحد عندما وصلنا اليها، لكن، أمورنا تسهلت بشكل كبير وبدأت بالتفكير بالاستقرار في هذه المدينة”.

موضحة” بعد أن حصلت على شقة جيدة للسكن كنت بحاجة لمصدر دخل مستمر أستطيع من خلاله توفير الاحتياجات وتغطية تكاليف الإيجار”.

“من المهم جداً أن يتم دعم مشاريع النازحين لأنها تشكل أهمية كبيرة لهذه المجتمعات كونها فئة تبدأ من الصفر في بناء حياة واقتصاد جديد في بيئة مختلفة كما انه يقع على عاتق الجهات المعنية تسهيل إجراءات مشاريع النازحين، مشيراً إلى ضرورة تسهيل إجراءات النازحين ليتمكنوا من تأسيس أنشطتهم التجارية.                               مصطفى نصر – خبير اقتصادي

تعود أم إياد للحديث عن مشروعها قائلة “فكرت بإقامة مشروع صناعة الحقائب القماشية بحكم خبرتي السابقة في مجال الخياطة والتطريز كان الامر في بدايته صعبا ولكني تغلبت على كثير من  الصعاب بفضل الله والتعاون والتشجيع الذي حصلت عليه من بعض اهالي المدينة.

وافق بعض من أصحاب محلات الحقائب على عرض بضاعتها وبيعها في تلك المحلات، إذ تعتبر ذلك خطوة إيجابية في دعم النازحين ودعم المنتج المحلي اليدوي. ويذكر لنا وديع القاضي صاحب محل للحقائب في كريتر عدن سبب موافقته على عرض منتجات أم إياد ويقول: ما دفعني للموافقة على عرض منتجاتها هو رغبتي الشديدة في دعمها معنويا وهذا أولا اما ثانيا هي دعم المنتج المحلي وتشجيع زيادة الإنتاج.

وفي هذا يذهب الخبير الاقتصادي مصطفى نصر إلى القول: “من المهم جداً أن يتم دعم مشاريع النازحين لأنها تشكل أهمية كبيرة لهذه المجتمعات كونها فئة تبدأ من الصفر في بناء حياة واقتصاد جديد في بيئة مختلفة كما انه يقع على عاتق الجهات المعنية تسهيل إجراءات مشاريع النازحين، مشيراً إلى ضرورة تسهيل إجراءات النازحين ليتمكنوا من تأسيس أنشطتهم التجارية.

يشدد نصر على أهمية دعم هذه المشاريع كونها تكفل كثير من الاسر وتساعد النازح على ان يتحول الى منتج وهذه نقطة مهمه في عملية التنمية كما يقول بدلا من تقديم المعونات التي تصيبهم بالاتكالية

“غادرت منزلي الكائن في حي كلابه بسبب تحول الحي إلى خط نار ومرمى للنيران والمواجهات. في بداية الأمر كانت تجربة النزوح صعبة خاصة وأننا تركنا منزلنا الذي كنا نملكه وتركنا أعمالنا ووظائفنا ومعاريفنا وأقاربنا وأتينا إلى هذا الحي الذي كان جديدا علينا حتى عادات الناس فيه كانت مختلفة”

“في تصوري غياب الرؤية سوءاً كانت لدى السلطات الرسمية أو المنظمات الدولية التي تتدخل بصورة كبيره الان في الجانب الاغاثي والتنموي في اليمن أدى الى عدم الاستفادة من هذا بشكل أكبر وبالعكس خلقت حالة من الاتكالية اثارا كارثية ومدمرة ويعتبر نصر أن هؤلاء الذين ينتقلون من مناطقهم لديهم طاقات وخبرات وإذا لم يتم الاستفادة منها ستصبح طاقات مهدرة”.

يعتبر نصر أن “إقامة وتنفيذ مشروعات من قبل النازحين تساعدهم على التأقلم في البيئة التي ينتقلون اليها وتكوين مجتمعه الخاص الذي لا يشعر بالغربة فيه كونه جزء فاعل ومنتج فيه، وارى في تلك المشاريع واحدة من أدوات الاندماج المجتمعي وتعزيز مستوى التعايش وبالتالي يعتبر تشجيع النازحين على الابتكار وعمل مشروعات سوآءا متوسطة او صغيرة تساعد في ادماجهم في المجتمع كما تساهم في التنمية المحلية والنهوض الاقتصادي مجددًا.

“لم أكن أدرك أن نزوحنا المؤقت سيتحول إلى سكن دائم رغم محاولاتنا المستمرة للعودة ولكن دون جدوى” يقول عبد الله العريقي25 عاما الذي غادر مدينة تعز الى الحوبان، وهي جزء منفصل من المدينة نفسها.

يحكي العريقي: “غادرت منزلي الكائن في حي كلابه بسبب تحول الحي إلى خط نار ومرمى للنيران والمواجهات. في بداية الأمر كانت تجربة النزوح صعبة خاصة وأننا تركنا منزلنا الذي كنا نملكه وتركنا أعمالنا ووظائفنا ومعاريفنا وأقاربنا وأتينا إلى هذا الحي الذي كان جديدا علينا حتى عادات الناس فيه كانت مختلفة”.

“بعد أكثر من نصف عام من النزوح وانقطاع مصدر الدخل الوحيد من الوظيفة العامة اضطررت للبحث عن عمل حتى لا يسوء وضعنا المادي أكثر ولكن دون جدوى فالأعمال التي كنت أجدها دخلها قليل جداً” يقول العريقي.

وأردف: “فتحت كشك في مدخل الحي ابيع فيه المواد الغذائية التي استطعت توفيرها في ذاك الوقت بعد ان طرحت على أحد اخوتي وهو مغترب فكرة البدء بمشروع شخصي والحصول على دعم منه ولو بداية بسيطة”.

” في الحقيقة وجدت ترحيب ودعم معنوي من أهالي الحي وتسهيل في إجراءات تنفيذ المشروع حتى أنني بعد عامين توسعت لاستئجار محل للانتقال اليه بدلا من الكشك والحمد لله الان في حال أفضل” هذا ما لاحظه عبد الله في بداية مشروعه.

“كوني امرأة أعمل بمحل تجاري في المجتمع المأربي المحافظ أمر غير مألوف إلا انني استطعت خلق رؤية جديدة عن مثل هكذا مشاريع حتى تقبل الناس الفكرة وحظيت بتعاون ودعم جيد كوني نازحة من خارج المدينة”

إلى ذلك تذهب حبيبة راجح التي تعمل مصورة فتوغرافية إلى القول: “نزحت من صنعاء بسبب ظروف الحرب وما خلفته في المدينة إلى مدينة مأرب حيث كانت بدايتي من شغف وحب للتصوير تطور إلى مجال التوثيق في مخيمات النازحين وتصوير الأعراس” والذي تحول إلى مشروعي الخاص مع مرور الأيام.

تشير المصورة حبيبة بأن فكرة مشروعها الخاص جاءت بناء على احتياج لاحظته في مدينة مارب كونها بيئة محافظة تفتقر لوجود استيديو مجهز بكادر نسائي وسط المدينة.

لم يكن الأمر بتلك السهولة لفتح هذا المشروع، فالتحديات والصعوبات قالت بأنها واجهت ” كما تضيف: ابرزها تدهور العملة وارتفاع الصرف بشكل كبير، الأمر الذي تسبب في ارتفاع الإيجارات، وهي عقبة أخرى تواجه أصحاب المشاريع الصغيرة المدرة للدخل وفي المقدمة النازحين.

“كوني امرأة أعمل بمحل تجاري في المجتمع المأربي المحافظ أمر غير مألوف إلا انني استطعت خلق رؤية جديدة عن مثل هكذا مشاريع حتى تقبل الناس الفكرة وحظيت بتعاون ودعم جيد كوني نازحة من خارج المدينة” تقول حبيبة.

 

مع تزايد تدهور الأوضاع الاقتصادية، وطول أمد الحرب، لجأ الكثيرون إلى التفكير في إقامة مشروعاتهم الصغيرة لمواجهة احتياجاتهم اليومية، والاعتماد على ذواتهم كما فعلت أم إياد، ورفيقتها حبيبة، والعريقي كذلك. وتفيد الاحصائيات بان عدد النازحين في اليمن نحو 4 مليون نازح ونازحة بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية اوتشا في حين أن 80 بالمائة من إجمالي عدد السكان يحتاجون إلى مساعدة إنسانية، وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة.

الصورة من موقع اليوم الثامن





101