أشواق، قصة نجاح أنقذت حياة العشرات


دكـة _ عيسى الراجحي

تسببت الحرب في اليمن المستمرة منذ مارس 2015في نزوح ألاف الأسر، التي اضطرت للفرار نتيجة المواجهات العسكرية بين أطراف الصراع، بحثا عن الأمان، ولجأت أغلبية هذه الأسر إلى مخيمات تفتقر لأبسط مقومات الحياة من خدمات صحية ومياه وبنية تحتية.

معاناة النزوح ساهمت في انتشار الأمراض داخل هذه المخيمات والمجتمعات المضيفة، وكثيرا ما تعاني هذه الأسر من العزلة نتيجة غياب المرافق الصحية، بسبب وعورة الطرق المؤدية إليها وتفرقها في مناطق يصعب وصول المنظمات إليها، مما جعلها أكثر هشاشة وبيئة خصبة لانتشار الأمراض والأوبئة.

ملاك الرحمة

أشواق محمود، فتاة تبلغ من العمر 24 عاما؛ تعيش في قرية الجرب بمديرية عبس محافظة حجة ، مع أسرتها المكونة من عشرة أفراد؛ منذ طفولتها وهي مغرمة بمساعدة الآخرين، ونتيجة للحرب نزحت إلى قريتها النائية عشرات الأسر من المناطق الحدودية مع السعودية هربا من الموت؛ كانت تحاول ان تقدم لهم المساعدة بمجرد وصولهم الى قريتها .

تقول اشوق لــ دكة  ذات يوم جاء شيخ القرية إلى منزلنا بصحبة أحد العاملين الصحيين في اليونيسف ووجه لي بعض الأسئلة عن العمل التطوعي، ثم سألني هل بالإمكان أن أوافق على اخذ دورة تدريبية في الصحة المجتمعية، حتى أتمكن من خدمة أبناء قريتي والنازحين، ووافقت على الفور بعد موافقة أسرتي.

كانت أشواق من ضمن العاملين الصحيين المجتمعيين الذين استلموا حوافز مالية عبر اليونيسف، بتمويل من الاتحاد الأوروبي بعد ان تم تدريبها للعمل كمتطوعة صحية، وبدلا من استخدام المبلغ المالي لتغطية احتياجاتها الخاصة، إلا أنها قررت إنفاقه في سبيل هدف أسمى.

بداية الفكرة

قررت اشواق جمع المبالغ المالية التي حصلت عليها والبدء في تنفيذ فكرتها، المتمثلة في بناء غرفة صغيرة خارج منزلها، تقدم فيها الرعاية الصحية الأولية لسكان القرية والنازحين، غير انها كانت تتعرض للإحباط من سكان القرية حولها، لعدم ايمانهم بنجاح الفكرة. لكن إصرارها وعزيمتها كانت أكبر من ذلك، وبتشجيع والدها حسب قولها استطاعت تجاوز المعوقات والبدء بتنفيذ فكرتها. وبقدر ما قد تبدو هذه الغرفة صغيرة ومتواضعة، إلا أنها تعد مرفق الرعاية الصحية الوحيد المتوفر على مسافة أميال من أقرب مركز طبي والفرصة التي يمكن للسكان المحليين من خلالها الحصول على رعاية طبية أولية مؤهلة.

انهيار الأنظمة الصحية

في المناطق الريفية النائية، يفقد آلاف الأطفال حديثي الولادة حياتهم قبل أن يبلغوا الخامسة من عمرهم، ومن أهم الأسباب وراء ذلك سوء التغذية وانعدام خِدْمَات التحصين والمساعدة الطبية الروتينية الأساسية.  كما أن هذه الأسباب مجتمعة تمثل أحد عوامل الوفيات الرئيسية بين النساء الحوامل والمرضعات.  وحذرت الأمم المتحدة من وفاة 400 ألف طفل يمني دون سن الخامسة هذا العام نتيجة الجوع وسوء التغذية  

تقول أشواق، “المستشفى بعيد للغاية عن قريتنا، ولا يمكن للناس الذهاب إليه بسبب ظروفهم الاقتصادية، وكنت اشاهد اطفال قريتي لا يحصلون على التحصين، واكثرهم مصاب بسوء التغذية، فحاولت ان أقدم خدمة مجانية لمجتمعي تساعد في انقاذ حياة مئات الارواح”.

وتأمل من اليونيسف وباقي المنظمات أن تساعدها في توفير العلاج المناسب للأطفال والأمهات، حيث ما زالت تعاني من شحة الادوية واللقاحات، وبعضها تحصل عليها من اليونيسف وفاعلي الخير او تقوم بشرائها من الحوافز التي تحصل عليها وتعطيها للمرضى الفقراء.

حسن حجاجي، مشرف العيادات المتنقلة التابعة لليونيسف في مديرية عبس، تحدث الينا في تصريح خاص لــ دكة قائلا ” ان هذه المبادرة تعتبر الأولى من نوعها في محافظة حجة، وتستحق الدعم والتشجيع، وقال نحن نقوم بتوفير ما نستطيع من علاجات لأشواق، ونشجعها ونتمنى ان يحذوا زملائها وزميلاتها حذوها بمثل هكذا مبادرات في القرى النائية، وان هناك الكثير من زملاء اشواق بدأوا العمل على نقل تجربة اشواق الى قراهم وعزلهم . مؤكدا ان الحرب في اليمن خلفت أعداداً كبيرة من النازحين والمتضررين نتيجة القتال المستمر، مما تسبب في ضعف الجانب الصحي، حيث يوجد اليوم حوالي 20 مليون شخص بحاجة إلى المساعدات الإنسانية. مما يضع الأزمة الإنسانية في اليمن بالمقدمة كونها الأكبر على مستوى العالم.

 

طموح تجاوز كل المعوقات

تتذكر أشواق الشكوك والسخرية التي كانت تتعرض لها من الناس حولها وتعرضها للقسوة والانتقادات أحيانا في بداية تنفيذ مشروعها، عندما كانت تقوم بزيارة المنازل لرفع مستوى الوعي لدى الاسر حول الرعاية الصحية والتطعيم والعناية بالنساء الحوامل وكيف قوبلت جهودها بالتشكيك وتعرضها للطرد أحيانا من المنازل التي تذهب اليها.

أما اليوم، فإن الناس تعبر لها عن الامتنان والشكر والتقدير نظير حياة الأطفال الذين تنقذهم كل يوم، والمساعدة التي تقدمها للحوامل وصغار السن من الأمهات، وكذلك مقابل منحهم فرصة الحصول على الخدمات الطبية في القرية في حالة وقوع الإصابات أو تعرض أحدهم للمرض.

تتذكر أشواق طفلة عمرها ثمانية أشهر كانت على وشك الموت بسبب تعرضها لسوء التغذية الحاد. وكيف استطاعت إقناع أسرة الطفلة بأن ابنتهم بحاجة إلى عناية خاصة، كما شرحت لهم ممارسات التغذية والعناية السليمة بالطفلة. بقيت الطفلة على قيد الحياة وتتمتع اليوم بصحة جيدة، وقد جاءت اسرة الطفلة مؤخرا الى غرفة اشواق الصحية لتشكرها على مثابرتها وجهودها لإنقاذ الطفلة.

تحلم اشواق ان يتحقق السلام وان تتحول هذه الغرفة يوما ما إلى مركز صحي متكامل يخدم قريتها والقرى المجاورة وتشعر بالامتنان لكل الدعم الذي تلقته لتحقيق طموحها.



157