أطفال على الحدود ( تحقيق استقصائي)


محمد الحسني – عيسى الراجحي

تقرير استقصائي يرصد شبكات تهريب الأطفال على الحدود اليمنية السعودية واستغلالهم في تهريب الممنوعات والسخرة والتسول والاستغلال الجنسي.

 

قضت لبنى 12عامًا، وأصيبت شقيقتها الصغرى بجروح بالغة جراء حادثة إطلاق أعيرة نارية من قبل حرس الحدود السعودي على مجموعة من المهربين ومن معهم من النساء والأطفال في يناير 2021، تقول سناء محمد 32 عامًا، والدة لبنى، ان ابنتها تعرضت لشظية مدفع هاون في الرأس والجزء العلوي من الرجل، وقتلت على أثرها، أما ابنتها الأخرى (سنة ونصف) فقد تعرضت لشظية مدفع هاون في العمود الفقري. وأضافت ان غالبية الأشخاص ممن كانوا معها قد قتلوا أو أصيبوا بجروح بالغة.

تسكن سناء محمد مع عائلتها في أحد مخيمات النزوح بمحافظة حجة، ولأسباب عائدة الى تردي الحالة الاقتصادية وانعدام فرص العيش – حد قولها- قررت الدخول إلى الأراضي السعودية بطريقة غير شرعية، للعمل فيها. إلا أنها وأثناء دخولها عبر الحدود اليمنية السعودية تعرضت للقنص مع مجموعة من المهربين، تقول سناء، ان الحالة الاقتصادية دفعتها هي والكثير لذلك، وان الكثير من أفراد عائلتها قد دخلوا إلى الأراضي السعودية بالطريقة نفسها. وأضافت إنها لم تتوقع الحادثة وإطلاق النار ووفاة ابنتها والمهرب ومجموعة من الأشخاص الآخرين ” الدنيا قصيرة علينا”

https://www.youtube.com/watch?v=wxAp75IQ0BI

في المقابل وفي منطقة آل ثابت الحدودية بمحافظة صعدة يعمل غيلان احمد 14 عامًا في مجال تهريب الممنوعات بين منطقة آل ثابت اليمنية ومنطقة آل تليده السعودية، يقول إنه يستطيع الحصول على مبالغ مالية باهظة تصل في بعض الأعمال إلى 1000 ريال سعودي عند العمل ليوم واحد فقط، وقال الكثير من العاملين هنا من الأطفال لسهولة حركتنا بين الجبال ولأننا نستطيع العمل بجهد مضاعف من أجل المال. تعرض غيلان في وقت سابق إلى لدغة ثعبان أثناء تهريبه للمنوعات وتعرض للاعتقال من قبل حرس الحدود السعودي في وقت لاحق قبل أن يتم ترحيله. يقول غيلان ان مهربا استطاع تهريبه قبل ثلاثة أعوام رفقة 21 طفلًا اخر، البعض منهم يعمل الآن في التسول وأخرين في الخدمة المنزلية، وأضاف أن والده دفع للمهرب مبلغ أربعة آلاف ريال سعودي مقابل ذلك.


جحيم الهروب..

سناء وطفلتيها، وغيلان حالتين من 31 حالة رصدها معدا التحقيق خلال الفترة من يونيو ٢٠١٩ وحتى ديسمبر ٢٠٢١ لأطفال تم تهريبهم من قبل عصابات وشبكات منظمة للتهريب، بغرض العمل في مجال تهريب المواد الممنوعة بين اليمن والسعودية ولأغراض أخرى تشمل التسول والسخرة والاستغلال الجنسي. في مخالفة للقانون رقم 1 لسنة 2018 الموسوم بقانون مكافحة الاتجار بالبشر، والذي ينص في المادة الرابعة والسابعة بتصرف على السجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد عن عشر سنوات، وبغرامة مالية لا تقل عن مائة ألف ريال ولا تزيد عن مليون ريال، لكل من استغل أمرأه أو طفل في عملية التسول أو السخرة أو الخدمة قسرًا أو الاسترقاق أو الاستغلال الجنسي أو نزع عضو أو نسيج بشري أو تعريضهم لأي صورة من صور الاستغلال المجرمة قانونيًا.

272692625_237774591848752_3484408926739829767_n.jpg 322.11 KB

وتبين لمعدا التحقيق من خلال الحالات التي تم رصدها أن خمسة من الأطفال من الإناث، وأن أربعة أطفال من أصل 31 طفلا كانوا من ذوي الإعاقة الحركية، وبلغ متوسط أعمار الأطفال الذي تم رصدهم بين 8-14 سنة. وعن المحافظات التي ينتمون إليها فإن محافظات المحويت وحجة وإب وريمة، كانت الأكثر من حجم العينة المرصودة، وتحدث الأطفال عن عملية التهريب بأنها كانت تتم ليلًا أو عند ساعات الفجر، عبر الجبال والصحراء، وأن كثيرا منهم لم يحصل على الطعام الكافي أثناء عملية التهريب، وقال سبعة من الأطفال انهم تعرضوا للضرب والشتم من قبل المهربين أثناء التهريب، فيما تحدث ثلاثة أطفال من العاملين في تهريب الممنوعات على الحدود اليمنية السعودية عن تعرضهم للضرب والتعنيف اللفظي أثناء القبض عليهم. وعن أعمالهم فان 17 طفلًا عملوا في مجال تهريب القات والممنوعات بين الحدود اليمنية السعودية، وثمانية أطفال عملوا في التسول بينهم أربعة من ذوي الإعاقة الحركية، فيما عمل اثنان في إحدى المزارع في التنظيف والرعي، وعمل أربعة منهم في الخدمة المنزلية. وعن تقرير سابق صادر عن مكتب الرصد ومكافحة الاتجار بالبشر بوزارة الخارجية الامريكية فأن اليمن تعد من الدول ذات المستوى عالي الخطورة في الاتجار بالأطفال وأن معظم حالات الاتجار تتم بين اليمن والسعودية، ويتم استغلال الأطفال في التسول والعمل القسري والاستغلال الجنسي وحدد التقرير متوسط الفئة العمرية بين 7-16 سنة.

استقطاب واغراء بالمال، يدفع بالعشرات إلى الهاوية.

تستخدم هذه الشبكات الكثير من الطرق عبر محافظتي حجة وصعدة لتسهيل تهريب الأطفال والنساء، يقول محمد عبدالرحمن المدومي مدير البحث الجنائي في محافظة حجة أن هناك طرق متعددة لتهريب الأطفال عبر الحدود غالبيتها تحتاج للمرور عبر محافظة عمران وصنعاء ومنها إلى محافظة صعدة ومن ثم منطقة الرقو القريبة من الحدود السعودية، وأضاف أنه وبعد وصول الأطفال والنساء وكبار السن إلى الأراضي السعودية، يتم تعليمهم أساليب وطرق التسول ومهام أخرى ومن ثم توزيعهم على المناطق والشوارع والأسواق للقيام بهذه المهام ومن ثم العودة إلى السكن المخصص لهم لتسليم المبالغ المالية التي جمعت ويحصلوا بعد ذلك على نسبة مالية محددة.

ويقول مدير البحث الجنائي أن هناك الكثير من الشبكات التي تم متابعتها والقبض عليها وإحالتها إلى النيابة العامة، وتمتهن تهريب الأطفال والنساء إلى الأراضي السعودية للعمل والتسول وتهريب الممنوعات والاتجار بالبشر، وأضاف تستهدف هذه الشبكات الأسر الفقيرة وذوي الاحتياجات الخاصة لاستقطابهم وإغرائهم بالمال الذي يتم تحويله عبر سماسرة ومهربين يتواجدون في أغلب مديريات محافظة حجة، وتطرق المدومي إلى القضية الأخيرة التي تم إحالتها إلى النيابة العامة، لشبكة تهريب كانت تعتزم تهريب أربعين طفلًا إلى الأراضي السعودية.

البحث عن ذوي الإعاقة!

معدا التحقيق قابلا تسعة مهربين يعملون في مجال تهريب الأطفال والنساء وبعض الممنوعات في محافظتي حجة وصعدة، واتضح لنا من خلالهم أن جميع من يعملون في التهريب على الحدود اليمنية السعودية، يعملون ضمن شبكات تهريب منظمة يتواجد أفرادها في اليمن والسعودية وفق خطط خاصة بالعمليات التي تتم، وتبين أن هذه الشبكات لديها علاقة مع بعض أفراد حرس الحدود السعودي في بعض النقاط الحدودية لتسهيل مهامها المرتبطة بالتهريب. وقال غالبية من قابلهم معدا التحقيق على أن الحرب ساهمت بشكل كبير في زيادة حالات التهريب للأفراد والمواد الممنوعة من وإلى الأراضي السعودية.

وعن ذلك تحدث إلينا وبشكل متخفي “سعد” (والاسم هنا مستعار لأغراض أمنية) مهرب يمني، ضمن إحدى شبكات التهريب، التي تمتهن تهريب المواد الممنوعة والأشخاص إلى الأراضي السعودية. يقول إن ما نسبته 20٪ من الأشخاص الذي يتم تهريبهم، من الأطفال. ويتم تهريبهم لغرض العمل في التسول أو العمالة المنزلية وحتى الاستغلال الجنسي وتجارة الأعضاء البشرية، وقال إن غالبية المهربين يبحثون عن الأطفال ذوي الإعاقة لاستغلالهم في التسول، لقدرتهم على كسب عاطفة الأشخاص ولأجل ذلك قد يتم دفع مبالغ مالية لأولياء أمور هؤلاء الأطفال من أجل السماح بتهريبهم.

استرقاق..

يقول عبدالرحمن سعد من محافظة المحويت 15 عامًا، الطفل الذي يعمل على الأراضي السعودية منذ أكثر من خمس سنوات أنه ترك التعليم وقرر العمل في تهريب القات من أجل ” أن تعيش عائلته حياة كريمة ” وأضاف أنه عمل في السنة الأولى في أحد المنازل في منطقة جدة في العمالة المنزلية وتلقى الكثير من الصعوبات والاهانات النفسية التي كانت تصفه بال”العبد والخادم” ومن ثم انتقل للتسول لعصابة تمتهن منح الأطفال السكن والمأكل مقابل مبالغ مالية يتم الحصول عليها من التسول، قبل أن يعود إلى محافظة صعدة اليمنية ومنها عمل في تهريب القات على الحدود حتى اليوم.

عبد الرحمن تعرض كثيرًا للتعذيب حد قوله من قبل المهرب واضطر إلى دفع مبالغ مالية تصل إلى 5 ألف ريال سعودي مقابل الانتقال من عمل إلى أخر، يقول في المرة الأخيرة عندما قررت السفر إلى صعدة للعمل في تهريب القات لحسابي الخاص عملت لثلاثة أشهر في التسول دون أن أحصل على أي مبلغ. يحكي عبد الرحمن أنه تم القبض عليه من حرس الحدود السعودي أثناء تهريبه للقات لأيام قبل الإفراج عنه.  يقول ” اسمع كثيرا عن حوادث اغتصاب الأطفال هنا أثناء التهريب، وأطفال يطلق عليهم رصاص، واللي يتعرض للسعة ثعبان أو عقارب أو يسقط أثناء التهريب من أماكن مرتفعة”.

                                                                                   مصدر الفيديو المرفق، من مواقع التواصل الاجتماعي

رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة أحمد القرشي قال انه وخلال العقدين الماضيين لم يتم إيجاد حلول فعلية للحد من الاتجار بالأطفال بين اليمن والسعودية، وأضاف أن الحرب ساهمت في زيادة هذه الحالات وان حوادث الاستغلال للأطفال وصلت إلى الاستغلال الجنسي، وتهريب المخدرات عبر الحدود، وقال إن الأطفال يتعرضون إلى معاملة قاسية أثناء تهريبهم وبعد ذلك أثناء عملهم في السعودية وحتى عند القبض عليهم وترحيلهم. ووصف القرشي عمل الأطفال في السعودية بـ “الاسترقاق” وقال وبالرغم من الحرب والتي ساهمت في إغلاق الحدود اليمنية السعودية، لازالت هناك عملية تهريب نشطه عبر محافظة صعدة وبطرق أخرى خاصة بشبكات التهريب. وأضاف القرشي أن هناك العديد من الأطفال في السجون السعودية لأسباب تتعلق بتهريب الممنوعات والكثير أيضا ممن لقوا حتفهم أثناء عمليات التهريب.

جرائم منظمة 

تستهدف هذه الشبكات المناطق الأشد فقرًا والأطفال من ذوي الإعاقات الحركية حسب شهادات و استطلاعات أجراها معدا التحقيق، وتبين من خلالها أن هذه الشبكات تتوزع مهامها بين سماسرة يعملون على اختيار الضحايا من القرى والمدن أو تجميعهم حسب طلب ذوي الأطفال، وبين مهربين يعملون على تجاوز الحدود اليمنية السعودية ويطلق عليهم ” المعدي” وبين أشخاص يستقبلون الأطفال والمواد المهربة ومن ثم توزيعها على أشخاص آخرين في المدن السعودية يتولون مهمة إدارة وتوزيع الأعمال على الأطفال. يقول عبد الرحمن الزبيب وهو محامي قانوني سبق له العمل في نيابة حرض بمحافظة حجة، وتناول قضايا الاتجار بالأطفال بين اليمن والسعودية، أن تهريب الأطفال لغرض نقل المواد الممنوعة بين الحدود اليمنية السعودية أو للعمل في الخدمة المنزلية والتسول موجود منذ فترة طويلة وانه ومنذ العام 2005 نشط الحديث حول هذا الموضوع ولكن دون فائدة تذكر، وتطرق الزبيب إلى وجود قصور قانوني قبل إقرار قانون مكافحة الاتجار بالبشر في العام 2018، الأمر الذي جعل اصدار العقوبات ضد المهربين خاضع لقياس وتقدير الجهة القضائية.

ويضيف الزبيب ان ملف تهريب الأطفال في اليمن يندرج ضمن الجرائم المنظمة، حيث تحدد العصابات المناطق الفقيرة في المحافظات ومنها أفلح الشام أفلح اليمن في محافظة حجة، ومناطق من محافظات ريمة ووصاب والمحويت، وتعمل على استهداف الأطفال ذوي الإعاقة مقابل دفع مبالغ مالية لأولياء امورهم، واستغلالهم فيما بعد في التسول، واستهداف أطفال آخرين من فئات عمرية مختلفة لأعمال أخرى غير مشروعة. وتطرق الزبيب إلى أنه قد يتم استخدام هؤلاء الأطفال في عمليات نقل الأعضاء البشرية، وأضاف أن هناك مختصين في اختيار واستقطاب هؤلاء الأطفال لصالح شبكات تهريب تتواجد في اليمن والسعودية، وارجع المحامي القانوني السبب في انتشار هذه الظاهرة إلى تأخير إصدار قانون مكافحة الاتجار بالبشر والحالة الاقتصادية التي تتفاقم يومًا بعد يوم.

تواصلنا مع مكتب الشوؤن الاجتماعية والعمل بمحافظة حجة والمركز الإعلامي لوزارة الداخلية السعودية للحصول على معلومات وبيانات فيما يخص تهريب الأطفال وانتشار عصابات التهريب المنظمة، ولكنا لم نتلقى أية ردود حتى تاريخ نشر هذا التحقيق. 

الكثير يرسلون أطفالهم إلى السعودية للعمل بغرض الحصول على المال الوفير، دون أن يدركون ماهية الاعمال وحجم خطورتها الحالية أو المستقبلية على أطفالهم وتستغل عصابات التهريب الحالة الاقتصادية والرغبة لدى هؤلاء في استقطاب مئات الأطفال سنويًا للعمل في مهام يجرمها القانون اليمني والسعودي. يعود هؤلاء الأطفال بالمال الوفير وإلى جانب ذلك حصيلة كبير من الأضرار النفسية والاعتداءات الجسدية والجنسية. ويظل غيرهم من الأطفال بين خيار البقاء والعيش مع ذويهم وطفولتهم في ظل حياة اقتصادية وامنية لا تشجع على البقاء أو الهروب باتجاه الشمال للبحث عن المال مهما كانت التضحيات.

 

 

 



283