نساء تحت ضغط الإنجاب

تقرير - نبيهة مختار

 

جاءت ليلة الخامس من رمضان على هلا مروان * لتلد مولودها الخامس في حملها الثامن خلال تسع سنوات فقط من الزواج، حيث أنجبت مولودها الأول ذا الثمانية أعوام حالياً، وهي بعمر السابعة عشر بينما أصغر أطفالها يبلغ فقط عاماً ونصف، وقد أجهضت مرتين بسبب الحمل المتتابع وقلة الرعاية الصحية بيد أنها استمرت بالحمل رغم خطورته وذلك انصياعاً لرغبة زوجها الذي يرغب بإنجاب صبي رغم أنه لديه بالفعل اثنين من الصبية، ولسوء حظ هلا فإنها رزقت بأنثى هذه المرة، أي أن معاناتها ستستمر وفي حال رغبتها بالتوقف واستخدام موانع الحمل أو رفضها لتكرار ذات السيناريو فقد أُخبرت مسبقاً من قبل زوجها أنه سيتزوج بامرأة أخرى مستعدة للإنجاب.

 

تقول هلا أنه وبسبب وضع زوجها الاجتماعي، لم يتمكن من شراء حفاظة لطفلته الوليدة دوناً عن عدم قدرته على شراء ملابس لها تبقيها دافئة في أول أيام حياتها واكتفائه بإحضار بعض القطع الشبه بالية والتي تخص طفله السابق. وعلى الرغم من تعسر ولادة هلا وإجهاضاتها المتكررة إلا أنها ستضطر مجبرة لتكرار القصة، بعد ولادتها وأخذ الطفلة للحضانة كونها أصيبت بالاختناق الوليدي بسبب تعسر الولادة. 

 

إجهاض وأمراض مزمنة  

في السرير المقابل كانت إلهام حلمي * ذات الخمسة والثلاثين عامًا تنتظر دورها للقيام بالفحص لإتمام تحضيرات دخولها لغرفة العمليات لإجراء عمليتها القيصرية الثالثة وبالرغم أنها لم تتزوج في سن صغيرة كما فعلت هلا، إلا أنها تعرضت هي الأخرى لضغط الإنجاب المتكرر، حيث أنها تزوجت قبل سبع سنوات رزقت في نهاية أولها بطفل أصيب بإعاقة دائمة بسبب نقص وصول الأكسجين إلى الدماغ أثناء الولادة كنتيجة لتعسرها مما أدى لاحقاً لإصابتها بارتخاء عنق الرحم والذي بدوره كان سبباً في اجهاضين متتاليين في فترة زمنية قصيرة، مما جعلها تلجأ للولادة القيصرية لمرتين متتاليتين والتي بدورها سببت لها الآماً مزمنة في الظهر والمفاصل.

 

وكنتيجة للحمل والولادة المتكررين خارت قوى إلهام وتدهور وضعها الصحي دوناً عن إصابتها في حملها السابق بسكري الحمل الذي لم ينته بانتهائه ليتحول إلى مرض مزمن يتطلب العلاج مدى الحياة، ويرفض زوجها استخدام الموانع لتصف إلهام " يأخذ من صحتي وقوتي"

  

إنجاب أكثر ومضاعفات صحية مميتة

  

مع تزايد عمليات الانجاب وتكرارها في فترة زمنية متقاربة، تتعرض تلك النسوة لكثير من المضاعفات تقدر أخصائية النساء والولادة روزا أحمد، الفترة الطبيعية بين الحمل والآخر بين 18ـ24 شهرًا حيث أنه عندما تقل هذه الفترة تتعرض الأم الحامل إلى الكثير من المضاعفات من بينها الولادة المبكرة، وولادة طفل صغير الحجم، وزيادة احتمالية التعرض للإجهاض خاصة الإجهاض المبكر، إضافة إلى مشاكل سوء التغذية، والتعرض لأمراض فقر الدم، وسكري الحمل، والتعرض لالتهابات الجهاز البولي، والكثير من الأمراض المصاحبة للحمل.

 

أما بالنسبة للمضاعفات المتعلقة بالمواليد، يقول أخصائي المواليد خالد اللبني بأن أشهر الحالات التي تحول للعيادات كنتيجة لمضاعفات الحمل المتتابع أن يكون الطفل صغيراً بالنسبة لعمر الحمل، وعدم النضوج (طفل خديج) سوء التغذية، والتشوهات الخلقية، هذا بالنسبة للمشاكل الصحية، أما عن أسوأ المضاعفات فقد يصل الوضع لموت الأم نتيجةً لتطور المضاعفات السابق ذكرها والتي كان من الممكن السيطرة عليها باتباع نهج تنظيم الأسرة وإجراء التدابير الوقائية للحمل المتعاقب والالتزام بالرعاية الصحية. وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن ما يقارب من 95٪ من جميع وفيات الأمهات في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل من الشريحة الدنيا في عام 2020م. وفي ذات العام بلغ متوسط معدل وفيات الأمهات في الدول الهشة ذات درجة التنبيه المرتفعة للغاية والمرتفعة 551 لكل 000 100، أي أكثر من ضعف المتوسط العالمي، ووفقاً لمؤشر الدول الهشة فقد حصدت اليمن أعلى نسبة عالمياً بحسب ما جاء في موقع منظمة الصحة العالمية.

وهذا جاء مقارباً لما نص به تقرير وزارة الصحة - صنعاء للعام 2021م حيث جاء فيه أن وفيات الأمهات باليمن من أعلى المعدلات في العالم حيث بلغت 500 حالة وفاة من كل مائة ألف ولادة حيّة

 

  

أضرار اجتماعية ونفسية

  

لا يقتصر الأمر على أضرار صحية ظاهرة على أجسام الأمهات وصحتهن بل أن هناك آثار مباشرة على الفرد والمجتمع خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي يمر بها اليمن كما يقول الدكتور يونس مفتاح الاستاذ في مادة القبالة المجتمعية بجامعة الرازي، ويضيف بأن الفقر أهمها ففي حين يصعب على بعض أرباب الأسر الصغيرة إعالة أسرهم بالشكل المطلوب تعتبر إعالة أفراد أسرة كبيرة أكثر صعوبة مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة عمالة الأطفال لسد حاجتهم الاقتصادية، وقال بأن الأضرار الاجتماعية تصل إلى عدم قدرة الأباء في الأسر الكبيرة على الاهتمام بأبنائهم وتربيتهم تربية سوية دوناً عن صعوبة قدرتهم على تعليمهم والاهتمام بدراستهم مما قد يؤدي لصنع جيل غير سوي مستقبلاً.

 

ويضيف الدكتور يونس أن الحمل المتعاقب يؤثر على الأم داخل المنزل وخارجه حيث أنها لن تستطيع الاهتمام بنفسها وصحتها فضلاً عن تربية أبنائها بالشكل المطلوب، وقد تصبح منعزلة عن المجتمع لانشغالها بأسرتها وأطفالها. أيضاً قد لا تتمكن من الاهتمام بمظهرها مما قد يجعلها أكثر عرضة للخيانة من قبل زوجها الأمر الذي قد يسبب تفكك الرابطة الأسرية أو الطلاق وتشتت الأبناء مستقبلا.

 

 

إنجاب الذكور، مقياس للفخر

  

ولحل هذه المشكلة المتكررة في المجتمع اليمني ذي الخلفية القبلية والريفية، تقول حنان حسن قابلة قانونية أن الحلول يمكن أن تتلخص في عدة خطوات، منها التثقيف الصحي بأهمية وفوائد وسائل تنظيم الأسرة وطرق استخدامها وشرح المعلومات المبهمة للمنتفعين منها لتبديد الخوف من استخدامها، إضافة إلى معرفة الوسيلة المثلى لكل شخص، وشرح البدائل الطبيعية لوسائل تنظيم الأسرة كالجدول المستخدم لمعرفة أيام التبويض أو الرضاعة الخالصة التي قد تباعد بين الولادتين مدةً تقارب الثلاث سنوات، وشرح التبعات والمشاكل المترتبة على الحمل المتعاقب لزيادة نشر الوعي بين الآباء. 

 

ويضيف الدكتور خالد قاسم استاذ علم الاجتماع بأن إنجاب الذكور لدى الرجال موشرًا للفخر ومقياس لذكورتهم ورجولتهم أمام الآخرين بداية من زوجته وأسرته وانتهاءاً بالمجتمع  المحيط به، ويضيف يسعى الرجل لإنجاب المزيد من الذكور لأغراض عدة منها للمساعدة في العمل الزراعي كون المجتمع اليمني زراعي وحتى في غير الزراعة ليكونوا مصدر دخل له، وأشار قاسم بأن المجتمع اليمني قبلي وحضور الدولة ضعيف فيه وعليه يسعى ليكون له أولاد كسند وعضد له بالحروب والمواجهة مع الاخرين ولديه ثقافة بأن من يملك بنين كثر يهيمن ويملك القوة.  

 

في حين أن الكثيرات يعانين لينجبن طفلاً واحداً هناك أخريات كثر أمثال هلا وإلهام يعانين أيضاً من عدم قدرتهن عن التوقف عن الإنجاب في مجتمع لا يعرف للوسطية أدنى معنى وما أحلام وهلا إلا غيض من فيض في ذات المجتمع.

 

       أسماء مستعارة

  

(تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة اخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا للإعلام والتنمية)

182