صدمة الواقع: كيف تتلاشى الأفكار النموذجية حول الحرية والديمقراطية في أوروبا؟

 

يكتب أنور دهاق

 

لطالما اعتقدت أن أوروبا هي ملاذ للحرية والديمقراطية، حيث يتمتع الناس بالقدرة على مساءلة حكوماتهم ومحاسبتها. لكن مع تطور الأحداث والتوترات الحالية، بدأت صورة الواقع في أوروبا تتلاشى أمام عيني.

في بداية مسيرتي في العمل المجتمعي والحقوقي، كان مثلي الأعلى في الشعوب الأوروبية والأمريكية، وكيف يتمكنون من إزاحة أي فاسد من منصبة بكل قوة. لكن مع تطور الأحداث الأخيرة، بدأت صورة تتكسر في واقعي.

 

 

حقيقة مرّة من فلسطين

 

في السنوات الأخيرة، بدأت الأحداث الواقعية في فلسطين تكشف حقيقة مرّة جديدة. حيث أصبحت الصور القاسية للقتل والدمار تملأ شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام الاجتماعية. ولكن، ما فاجأني هو استجابة الشعوب الأوروبية لهذه الأحداث.

 

في الأشهر الأخيرة، مع الأحداث الفلسطينية كشفت حقيقة مرًة، حيث أصبحت الصور التي تعرض علينا للقتل والدمار تملأ الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي، ولكن ما فاجأني ردت فعل أغلبية الشعوب الأوروبية لهذه الأحداث.

 

 

تجربة شخصية مع ألمانيين متعصبين

 

تحدثت مع “هايك”، رجل الماني الجنسية، ولم أكن أتوقع رد فعله تماماً. هايك، الذي يُتابع الأخبار الأوروبية، يُنكر ببساطة وجود أي حادثة قتل في فلسطين او وجود ضحايا مدنيا، معتبرًا الأخبار عن القتلى والابادة الجماعية مجرد كذب وتضليل. لم يصدق حتى عندما عرضت عليه مقاطع فيديو تظهر وحشية الأحداث، بل قال لي هذه الصور جميعها مزورة.!

بالمثل، صرحت “إيف”، المانية الجنسية، بأننا كعرب نتعاطف مع الفلسطينيين دون فهم حقيقة الواقع، معتبرةً أن فلسطين هي أرض إسرائيل وأن تصرفات الفلسطينيين هي أعمال إرهابية. ورفضت قبول حقيقة أن الفلسطينيين يعانون من الاحتلال وقمع منذ العديد من السنوات.

أوضحت لي هذه التجارب حقيقة مُرة، أن الحرية والديمقراطية في أوروبا قد تكون مجرد وهم. بذات ما يحصل لاي جماعة او افراد يتظاهرون من أجل القضية الفلسطينية، إن العديد من الأوروبيين يبدو أنهم يصدقون ما يروّج لهم وسائل الإعلام الرسمية، دون التفكير بشكل مستقل أو البحث عن الحقيقة تماماً.

مع ذلك، لا يزال هناك أمل في تغيير هذه الواقعية السلبية. يجب علينا نحن الذين نؤمن بقيم الحرية والعدالة، أن نواصل التوعية والتأثير على وجهات النظر، وذلك من خلال تقديم الأدلة والحقائق بشكل واضح ومدروس.

 

 

البحث عن الأسباب: لماذا يتجاهل الأوروبيون الحقائق؟

 

من الضروري أن نتساءل عن الأسباب التي تجعل الكثير من الأوروبيين يتجاهلون الحقائق التي تعرض أمامهم. هل هي نتيجة للتعصب الثقافي أو إيمانهم بأن وسائل الإعلام الخاصة بهم لا تنقل إلا الحقيقة؟ أم أن هناك عوامل أخرى تلعب دورا في تشكيل وجهات نظرهم؟

يبدو أن الإعلام الأوروبي يلعب دورًا كبيرًا في هذا السياق، حيث يُظهر الأحداث بطريقة تخدم السياسات للدول الأوروبية والأمريكية. وهذا يؤدي إلى تشويه الحقائق وتقديم صورة مغايرة للواقع، مما يُسهم في تكوين وجهة نظر مُشوهة لدى الجمهور للأسف.

من الأمثلة على ذلك، الطريقة التي يُعالج بها الإعلام الأوروبي الأزمات في الشرق الأوسط. غالبًا ما يُقدم الصراع ما حصل لليهود في عهد هتلر، وان الفلسطينيين يريدون سحق اليهود وحرقهم، دون الغوص في تعقيدات الوضع أو تقديم السياق التاريخي والسياسي اللازم لفهم الأحداث بشكل كامل.

 

 

أصوات منصفة في أوروبا: بصيص أمل

 

من ناحية أخرى، يجب أن نعترف بأن هناك أصواتًا في أوروبا تعمل جهدة لتقديم وجهة نظر متوازنة ومنصفة للقضية الفلسطينية والأحداث الجارية في غزة. هناك نشطاء ومنظمات غير حكومية وصحفيون يعملون بلا كلل لكشف الحقائق وتقديم تقارير موضوعية، ولو أنهم قلة، خاصة في الدولة التي أعيش بها "ألمانيا".

مع ذلك، تظل هذه الأصوات غالبًا ما تكون مغمورة تحت الضجيج الإعلامي السائد.

لذا، يجب علينا كأفراد نبحث عن الحقيقة والعدالة أن نسعى لدعم هذه الأصوات وتعزيزها. والعمل على نشر الحقائق عبر المنصات باللغات الأوروبية مثل الألمانية و الفرنسية و باقي اللغات الأوربية.

في النهاية، يجب أن نتذكر أن الحرية والديمقراطية ليستا مجرد مفاهيم غربية، بل هما قيم عالمية يجب أن تُحترم وتُعزز في كل بلدان العالم.

الواقع الذي نعيشه اليوم يتطلب منا الكثير من العمل والجهد ونشاطًا في الدفاع عن الحقوق والحريات. يجب أن نكون جريئين في مواجهة الأفكار الخاطئة والمغالطات التي تُروج لها بعض وسائل الإعلام والحكومات، ونعرض الحقائق التي يجهلها العديد من الأوروبيين.

إن رحلتي من الإيمان بمثالية أوروبا إلى صدمة الواقع كانت تجربة قاسية، لكنها فتحت عيني على أهمية العمل الجاد من أجل نشر الحقيقة والعدالة.

معًا، يمكننا أن نُحدث فرقًا ونُساهم في بناء عالم أكثر حرية وديمقراطية للجميع.

صورة الغلاف لـ Wall Street Journal

 

300