حٌلم السلام المنتظر


دكـة – شيماء القرشي

توقفت المعارك في الجبهات. ومتارس المتحاربين في المدن أزالها الأهالي ليشع السلام من جديد.
الأمهات اللاتي ينتظرن أخباراً عن الأسرى خرجن لاستقبال الأسرى بالزغاريد في صنعاء، في عدن، في الساحل الغربي،
في البيضاء، في شبوة، في ريمة، في المحويت، في الحديدة، في عموم محافظات الجمهورية، لا ذنب لهم إلا أنهم كانوا أدوات للحرب.
بعض الأسرى العائدين كانت أيديهم مبتورة، و البعض يمشي بقدم واحدة، لقد مروا في طرق وسهول وصحاري مزروعة بالحقد الأعمى، كانت الأمهات تحتضنهم بشوق وفرح.
الأسرى يحتضنوا أمهاتهم وآباءهم وأبناءهم وزوجاتهم بنصف جسد، دموع الأمهات والزوجات في تلك اللحظة كانت تقول إن ما يعانيه الأسرى العائدون موجع، لكن بقاءهم في الأسر واستمرار الحرب أوجع.
ميناء عدن عاد للعمل من جديد ومشروع بالحاف الغازي يعمل بشكل طبيعي والنفط والغاز اليمني يصدر بشكل منتظم من حقول مأرب النفطية وحقول شبوة وحضرموت والمحطة الكهربائية الغازية في مأرب تضيء المدن والقرى اليمنية كما كانت في سابق عهدها.

انتهت الطوابير الطويلة للسيارات أمام محطات بيع المشتقات النفطية في المدن ومراكز المحافظات والمديريات، لقد ذاب من الأرصفة تجار السوق السوداء.
الموظفون ذهبوا لاستلام الرواتب المتراكمة في ذمة الحكومة من لحظة اشتعال فتيل الحرب مع العلاوات السنوية، لقد عادوا تلك الليلة وهم محملين بجميع ما تحتاجه الأسر من المواد الغذائية والملابس والعطور والهدايا، لعل الهدايا تنسي النساء والأطفال سنوات من المعاناة التي أنتجتها متارس الحرب.

الطائرات المدنية لا تتوقف من أجواء اليمن، صارت تقلع وتهبط من مطار صنعاء ومطار عدن ومطار تعز ومطار سيئون ومطار الريان ومطار الحديدة ومطار سقطرى، بعضها تحمل المرضى اليمنيين المحتاجين للعلاج في الخارج.
الأغاني تصدح من الإذاعات اليمنية، أغانٍ وطنية وعاطفية والجدران التي كانت مسرح لعرض شعارات المتحاربين في شوارع المدن وصور ضحايا الحرب من كل الأطراف خرج المواطنون لغسلها، بدت المدن أجمل من ذي قبل صارت المدن اليمنية عذارى سلام ومحبة وتعايش.

تعلم اليمنيون دروساً بالغة مما حصل لم يعودوا أغبياء كما كانوا صاروا يفرقون بين العدو وبين الصديق قادرين على التفريق بين من يقدم نفسه صديق وهو عدو، تعلموا أن الصديق والعدو كلاهما وبال على اليمن إذا لم يملك اليمن قراره المستقل، وأن بعض الابتسامات تخفي حقد الدهور ، والوعود الكبرى تكذبها الحقائق الدامغة،أدرك اليمنيون لكن بثمن باهض أن طعنات القريب أهون من متاجرة البعيد بتلك الطعنات.
الإعلام صار لا يتحدث إلا عن السلام وكيف نحمي اليمنيين من العودة إلى الحروب الداخلية مرة أخرى، كيف نقدس كياناً كبيراً موحداً تعيش فيه كل الأفكار ، لم يعد الإعلام مولعاً بالتبرير للمتحاربين وتقديس حروب الجماعات، صار الإعلام إعلام وطنياً يحشد الجهود والطاقات لديمومة السلام لم يعد عود ثقاب لإشعال جذوة الفرقة والتمزق ونسف السلم الأهلي صار إعلاماً مسؤولاً ورصيناً يعمل وفق أسس وطنية بحتة أهمها وأقدسها أمن واستقرار اليمن واحترام التعايش بين جميع الأفكار وحل مشاكلنا بالحوار والاحتكام للديمقراطية.

لقد رمى أعداء الامس أشقاء المصير الواحد في الحاضر والمستقبل السلاح، وعادوا إلى مدنهم وقراهم، واغتسلوا من وعثاء الحرب بمطر السلام المنهمر على أرضنا الخضراء، رموا ماضي الحرب خلف ظهورهم وراهنوا على الحاضر والمستقبل فلا أحد يستحق أن يموت في الحروب الأهلية الخاسرة، أدرك الجميع أن الحروب الأهلية خاسرة ولو كنت منتصراً فيها، فثمن ذلك النصر دمار الأوطان وتشرد الشعوب ونسف النسيج الاجتماعي والسماح بنهب الثروات.
شمر اليمنيون السواعد للبناء والتعمير، لقد دشنوا مرحلة بناء ما دمرته الحرب، رفعوا أنقاض الغارات الحربية، وقبل ذلك نجحوا في تنظيف دواخلهم من التعصب والمناطقية والسلالية، اقتنعوا بضرورة التعايش بين الأفكار والديمقراطية وأنها الطريق الوحيد للحكم بناء على اختيارات الشعب عبر صناديق الانتخابات.
تعلم اليمنيون بكل تياراتهم ومشاربهم من الأخطاء الكارثية التي ارتكبت، وصلوا لقناعة أن اليمن تتسع للجميع وأن 555 ألف كيلومتر تكفي ليعيش فيها اليمنيون بمختلف توجهاتهم ومشاربهم وأنه ليس بمقدور فرد أو جماعة أن تقرر حاضر ومستقبل اليمنيين جميعاً، بل اليمنيين جميعاً هم من قرر ويقرر كيف يكون الحاضر والمستقبل بإيمان مطلق بفكرة التعايش وثقافة الحوار والقبول بالآخر والديمقراطية.

استيقظت من نومي تحسست سريري الخشبي أدركت بوجع أني كنت في حلم.





154