خلود مرةً أخرى
دكة – سماح عملاق
كنّا قد نشرنا في منصتنا بتاريخ 13 يناير 2022 قصة إنسانية لشابّة مهمشة من مديرية “ذي السفال” بمحافظة إب، بطلتها خلود التي عانت من ويلات التفرقة والتهميش والأذى والفقر واليتم منذ سنها المبكر، وقد أُعجب بخلود شابًا من ذوي البشرة البيضاء بعد أن كان قد تحرش بها لمرتين ولقي ردة فعل قاسية منها جراء سلوكه، وبالفعل تقدم لخطبتها دون معرفة أقاربه، وكانت الصدمة قوية له وللمجتمع ولعائلته حين رفضت خلود طلبه بالزواج منها.
تتبعت معدة التقرير حياة خلود بعد نشرنا لقصتها، ورصدت التغيير الإيجابي الذي أسهم الإعلام في إحداثه، ننشر لكم رابط القصة في أول تعليق، ونمضي في إيضاح حديث خلود لـ”دكّة”.
رصدنا بعض ردود أفعال رواد التواصل الاجتماعي حيث علق من محافظة شبوة المصور في قناة بلقيس الفضائية عبد السلام الجرادي على قصة خلود بقوله انها “مثال للفتاة الواثقة بنفسها المالكة لقرارها القادرة على مجابهة الرفض بالرفض” واعتبر الجرادي اعتراضها أسلوبًا جديدًا.
إبداعية مبتكرة لإثبات الوجود وإنصاف الذات.
الناشطة الحقوقية سما المخلافي من تعز قالت في خانة التعليقات على منصتنا بفيسبوك:” الله عليك يا خلود، رائعة وقوية، أثبتّي للمجتمع بأن المرأة المهمشة ذات كيان مستقل ويستحق التقدير، أعجبتُ بشخصيتك كامرأة قوية تمتلك القرار، وبيدها دفة حياتها”. وأضافت المخلافي بأنها تتمنى لخلود زوجًا يليق بقوة شخصيتها، ومبادرتها العظيمة رغم جدتها كحركة غير مألوفة.
“هذه المرأة لها كيان، وكرامة سقفها بحدود النجوم”
أستاذ اللغة العربية في مدرسة 26 سبتمبر عبد الكريم الخياط من تعز أيضًا كتب في تعليقه “سلطتم الضوء على هذه الفئة المهمشة، وخلود نالها من اسمها نصيب وافر حيث خلدت ذكرها بالمحافظة على نفسها أمام بعض من البشر الذين يرون أن الفتاة المهمشة لها علاقات مختلفة وأنها بالإمكان أن ترضخ لمغريات مختلفة ليقضي هذا أو ذاك منها وطره”.
واستدرك الخياط “لكنها أثبتت لضعاف النفوس من الذئاب البشرية من ذوي البشرة البيضاء أنها ترفض حتى الزواج من واحد منهم؛ لأنه اعتبرها سلعة يمكن أن تشترى بثمن بخس، أو من حقه الاستمتاع بها بالمال، لكنه وإن نسي الماء الذي غسلته به فإن ذلك الملطام الذي وقع على وجهه ستظل ذكرياته لا تنسى ليعود إلى رشده وليثبت في عقله وتفكيره وممارسته على الواقع أن هذه المرأة لها كيان وكرامة سقفها بحدود النجوم مثلها مثله وإن كان الفارق هو لون البشرة التي أحدث في النفوس تغييرات زلزلت عروش دول هنا وهناك”.
تناضل خلود في إظهار شخصيتها ليس لذاتها فقط وإنما لمجتمعها من المهمشين وستنجح، كما ناضلت المرأة السوداء في الولايات المتحدة الأمريكية”
“آن للمهمشين أن يأخذوا دورهم ومكانتهم اللائقة في مجتمعنا”.
الناشط المجتمعي فؤاد مانع من محافظة إب، وجارًا لمسقط رأس خلود كان رأيه صحفي المهمشين:” كانوا ملوكًا فأذلتهم الحياة وتجرعوها سمًّا بسبب النظرة العرقية والمناطقية وتردي الأخلاق المجتمعية” وأضاف “آن لهم أن يأخذوا دورهم ومكانتهم اللائقة في مجتمعنا”.
وعلق المحامي عملاق عبدالجبار وهو من مديرية السياني بمحافظة إب، شمال ذي السفال بمسافةٍ لا تزيد عن 2 كيلو مترا بقوله:” تناضل خلود في إظهار شخصيتها ليس لذاتها فقط وإنما لمجتمعها من المهمشين وستنجح، كما ناضلت المرأة السوداء في الولايات المتحدة الأمريكية حينما رفضت النهوض من مقعدها فوق الباص للسماح للرجل الأبيض بالجلوس مكانها حسب العادة التي كان معمول بها، وعندما ضربها وقام معاون سائق الباص بإهانتها تضامن معها جميع أصحاب البشرة السوداء وخرجوا بمظاهرات عنيفة حتى صدر قانون بمنع التمييز بين الأسود والأبيض، وكل ذلك بسبب تلك المرأة السوداء المبادرة”.
إمام جامع الجند يتحدث عن خلود
قال إمام جامع الجند الشيخ محمد سيف العديني، بعد قراءة قصة خلود أقول إنه ينبغي علينا أن نفرق بين قيم الدين الاسلامي الكبرى وعلى رأسها الحرية والعدالة والمساواة، فالقرآن الكريم، وضع للتفاضل معاير مكتسبة أهمها التقوى بالعمل الصالح والعلم، والخبرة. يضيف الشيخ العديني:” لم يكن من معاير التفاضل اللون او الجنس أو القبيلة أو المركز الاجتماعي أو المال. وهذه ربما معايير يتعامل الناس بها، وهي من الجاهلية التي يحرمها الإسلام. ونحن في اليمن لغياب الدولة المدنية العادلة ظلت العادات هي المتحكمة.
كما يشير إلى أن “خلود -بحسب القصة- شبت وهي تعمل وتفكر وترى هذه العنصرية ضدها ومن مثلها، وكان تصرفها تصرفًا منعكسًا عن فهمها للعادة السيئة، لكني أقول إن الأحرى بعد هذا الموقف أن تتجاوب مع أي مبادرة لردم هذه العادات، وأنصح جميع المهمشين وسأصدح بذلك في خطبة الجمعة بأن يدمجوا أنفسهم ويتغلغلوا في المجتمع بشكل عام، لأن جمودهم على الجهل وتحت سوط العادة جعلهم يستسلمون لعنصرية المجتمع ضدهم وهذا لا يقدم نتيجة لصالحهم.”
“فتاة عفيفة وشريفة ومحترمة وواثقة بنفسها ومسؤولة وجميلة ولا أرى فيها أي عيب، ومع ذلك إن رفضت فهذا حقها، ولا يهمني كلام أحد، كلنا سواسية أمام الله”
على لسان خلود
تقول خلود :” لقد زارتني جارتي بعد إن قرأ أخوها مادتكم حولي في الفيسبوك، أتت لتوبخني كيف لي أن أجرؤ على التباهي بذلك، وقبل أن أهمّ بالرد كانت زبونات كثر في القرية معي وكنّ قد سمعن بتفاصيل قصتي واقعيًا وافتراضيًا، فهاجمن جارتي وأسلوبها السيء بالحديث عني، بل وبررن لي قراري حتى أن إحداهنّ وهي زوجة لرجل مسؤول في الدولة ومن القبائل المعروفة قالت للجميع (يشرفني أن تكون خلود زوجةً لابني، فهي فتاة عفيفة وشريفة ومحترمة وواثقة بنفسها ومسؤولة وجميلة ولا أرى فيها أي عيب، ومع ذلك إن رفضت فهذا حقها، ولا يهمني كلام أحد، كلنا سواسية أمام الله)، ووسط ردة فعل تلك السيدة لاحظت النظرة التأييدية هي الغالبة على عكس ما كان قبل أن تشتهر قصتي”.
تضيف خلود بأنها ووالدتها لم تعتبر كلام تلك السيدة عرضًا صريحًا بالزواج إنما إيضاحًا لفكرة مفادها أن زواج أبيض من سمراء لا يعدّ تفضّلًا عليها، وأن أفكار المجتمع مغلوطة، ويجب تصحيحها.