نحو شباب لا يؤمن بالكراهية ويمهد للسلام
كتب _ محفوظ الشامي
ما أن تقع الحرب في بلد حتى تأتي معها ماكينات إعلامية تروج لخطاب الكراهية والتحريض بواسطة وسائل إعلامية متعددة أبرزها وسائل التواصل الاجتماعي لشيوعها وسهولة استخدامها وانتشارها أوساط الشباب الذين يمثلون نواة النجاة أو الهلاك لأي مجتمع يأمل أبناءه أن يخرج من دائرة الصراع التي وقع بها.
شكلت الحرب في أرجاء البلاد أزمة حقيقية طالت كل فئات المجتمع اليمني وأمعنت في استهداف فئة الشباب كونها المحرك الأهم لواقع ومستقبل بلد أغرقته تبعات الفساد والفقر وغياب الدور الفعال لمؤسسة الدولة. في 25 مارس 2015م نفذت ما يسمى بطائرات “التحالف العربي بقيادة السعودية” أول غاراتها في سماء صنعاء مستهدفة قوات وتجمعات أنصار الله الحوثيين وهو ما أدخل البلاد في فصل مأساوي ما زالت مآلتاه تزيد الإنسان تمزقًا وحرمانًا.
لقد وجد الشباب اليمني أنفسهم أمام أكثر الظروف تعقيدًا وفي ظل استمرار حرب سلبتهم رؤى وطموحات وآمال لطالما حلموا بتحقيقها. بشكل مباشر تأثر الشاب اليمني فقد مست الحرب مدرسته وجامعته حيث يتعلم ومؤسسته حيث يعمل وقد اضطر البعض للهجرة رغم مخاطرها. إن نسبة كبيرة تكاد تصل بحسب الواقع الملموس إلى 80 % من خريجي الجامعات اليمنية متعطلون عن العمل ورغم تعاسة الوضع وتفاقم سوؤه ما زال الشباب قادر على تخطي عقبات الحرب ومواجهة الكراهية، يمكن أن نلاحظ هذا من خلال تعدد المبادرات الخدمية والأعمال التكافلية داخل المجتمع ورفض الأصوات التي تروج للعنصرية أيًا كان مصدرها.
وفقًا لتقرير نشر بتاريخ 31 أغسطس 2014م في صحيفة الثورة الرسمية فإن نسبة فئة الشباب من إجمالي التعداد السكاني في الجمهورية اليمنية هي 33%. جاء هذا التعداد في تصريح رسمي على لسان الدكتور أحمد علي بوجي، الأمين العام للمجلس الوطني للسكان حيث أشار إلى أن شريحة الشباب في اليمن تصل إلى حوالي ثلث سكان الجمهورية..
رغم هول مصيبة الصراع والتأثير النفسي والمادي الذي لحق بالشباب إلا أنهم ما زالوا يشكلون الملمح المستقبلي الحقيقي لوطن كثر هادموه في ظل استمرار للمكافحة والنضال في دروب العلم والعمل والنجاح فقد تصدرت قائمة الجوائز الإقليمية والعالمية أسماء كثيرة ليمنيين في حقول إبداعية وفنية ورياضية شتى منها جائزة أريج لأفضل تحقيق وسائط متعددة (الفئة المفتوحة) عن تحقيق بعنوان “إغاثة فاسدة بإشراف أممي” للصحفي أصيل سارية.
من الجوائز أيضًا جائزة “بالم” الألمانية للكاتبة والناشطة بشرى المقطري وجائزة “المرأة الدولية للشجاعة” لعام 2020 والتي تمنحها وزارة الخارجية الأمريكية لـ 12 امرأة شجاعة حول العالم وقد فازت بها الناشطة ياسمين القاضي، وجائزة ” مارتن إينرلز” لعام 2020 وتعتبر أرفع جائزة في مجال حقوق الإنسان وقد حظيت بها المحامية هدى الصراري. وفي مناحي متعددة من الحياة العلمية والعملية سواء داخل البلاد أو خارجها يحقق الشباب اليمني نجاحات مستمرة ويقدمون نماذج راقية وحضارية تؤمن بالسلام وقيم التعايش وتقدر بالوعي على التصدي لخطاب الكراهية ودواعي العنصرية والانقسام وكل ما له شأن بهدم قيم مجتمع يحلم أن يتماسك في زمن البارود.
إن فئة الشباب الطليعة الأجدر على صنع تغيير بأي بلد حول العالم ذلك أنها أقدر على خلق روح المبادرة الحقيقة وإدارة الأحداث ومعالجتها وفقًا لما يقتضيه التعايش السلمي والمستدام بعيدًا عن تبعات الصراع التي تخلفها الأطراف المتنازعة وكثيرة الحساسية والخصومة تجاه بعضها، ولأن رؤية الشباب أكثر تسامحًا واحتواء للآخر المختلف ذلك أنها فئة مقبلة على الحياة فإن صفحات كثيرة من صنوف خطاب الكراهية والعنف تنطوي وتتفتح آفاقًا للوئام والشراكة الحقيقة التي تقود الوطن إلى مرسأ الأمان.
تحتاج هذه المرحلة الحساسة في حياة المجتمع اليمني إلى حملات توعية واسعة بأهمية لملمة الشمل والإشارة إلى خطورة التحريض وخطاب الكراهية الذي يؤجل من اتخاذ قرار داخلي نابع من الهوية الوطنية ويهتم بمصير البلاد ويجنبها من الحرب ومآلاتها الطاحنة والشباب هم الأكثر قدرة وطاقة على حل الصراع وطمس الفجوات والتأسيس لتقارب حقيقي بين خصوم السياسية. فبمجرد أن يبدأ المجتمع اليمني بالتفكير في إنشاء مشاريعه الوطنية ستتأتى في طلائعه القضية الأهم، فيما يتعلق بالصراع بين طرفي الحرب وسيكون الضمير حيًا لدى هذا المجتمع ممثلًا بصناع القرار مما يفضي إلى إيقاف الحرب وإحياء الأرض والإنسان وإحلال السلام الشامل وكل هذا في مقدور فئة الشباب إن مكنهم المجتمع وأعطى زخمهم وطاقاتهم الفرصة.
الشباب هم الركيزة الهامة والقيمة الأساسية لواقع وحاضر المجتمعات فإن هم حصلوا على مساحة لاحتواء المشكلات وتم إشراكهم بشكل جاد في إدارة الأزمات وصنع تقاربات من شأنها خلق بواعث للسلام فإننا سنصل إلى بر آمن ما لم فالركود بل والرجوع إلى الوراء هو مصير كل مجتمع لم يعطِ هذه الفئة المتدفقة بالطاقات أولوية في كل شيء. يقول الروائي جورج دونالد: “تنتهي وظيفتنا في الحياة عندما نتوقف عن فهم الشباب” بما يعني أن فئة الشباب هي أحق بأن تملك زمام الأمور وأجدر بتسليط الضوء؛ لأن تجاوزها يعني شيخوخة المجتمع وتلاشيه في براثن الصراع والتفرقة.