الوسم الممنوع: سلطة الرجل على وسائل تواصل المرأة اليمنية
دكة - يوسف الدانعي
على الرغم من سهولة الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي وسهولة استخدامها لجميع فئات المجتمع، إلا أن بعض الأسر والعائلات اليمنية ما تزال تمنع النساء من استخدام هذه التطبيقات. تأتي سياسة المنع هذه لتحرم المرأة من عالم مهم في حياة المجتمع من حيث تسهيل الخدمات والتعليم والترفيه وغيرها.
ندى أحمد (اسم مستعار، 21 عامًا، من محافظة صنعاء) إحدى ضحايا المنع القسري من استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تقول للجندر: "كوني امرأة أنحدر من عائلة محافظة، لم أتمكن من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، إذ إن أسرتي ترى أنه من العيب أن أرتاد هذه المواقع". وتعزي ندى ذلك إلى أسباب عديدة أهمها: نظرة بعض أفراد المجتمع إلى الفتاة التي تستخدم موقعًا على شبكة الإنترنت، إذ يُنظر إليها من زاوية العيب والشرف، وقد تُربَط بالانفتاح والانحراف الأخلاقي في نظرهم، وبالتالي فإن ذلك يؤثر على سمعة العائلة ما يستدعي المنع التام للفتاة من استخدام هذه المواقع.
عفاف الأشول (24 عامًا، من محافظة حجة)، هي الأخرى بثت لنا حكايتها مبدية استياءً كبيرًا من حالة عزلها عن شبكات التواصل، بعد اكتشاف الأسرة حسابًا لها على موقع فيسبوك، تقول: "على الرغم من كوني واعية تمامًا لعالم السوشيال ميديا، إلا أن ذلك لم يشفع لي لدى الأهل، حيث تم حرماني نهائيًا من عالم التواصل الاجتماعي، تحت ذرائع العار والعيب التي تتشبع بها بيئتي المحافظة".
تقاليد ظالمة
يرى الباحث في علم الاجتماع السياسي د. عبدالكريم غانم: "أن مواقع التواصل الاجتماعي شكلت منبرًا إعلاميًا لمن لا منبر له؛ ما جعلها تمثل قوة لفئات المجتمع من النساء والفتيات". وبالإشارة إلى ذلك، يرى الباحث أنه في مقابل هذا التطور لمواقع التواصل، كانت هناك ردة فعل قوية من قوى المجتمع التقليدي المتشددة، محاولة منها لإعادة النساء والفتيات إلى ما يمكن تسميته "بيت الطاعة"، عبر نسج الكثير من الشائعات لتضخيم الجانب السلبي لارتياد النساء والفتيات مواقع التواصل. ويضيف الدكتور: "ومما عزز تلك المخاوف لدى بعض الأسر حالة الحرب وعدم الاستقرار التي يعيشها المجتمع اليمني، حيث تراجعت مكانة النساء في مقابل تعزيز سلطة الذكور، واستخدامهم لهذه السلطة في مراقبة استخدام النساء لمواقع التواصل، وتعزيز الوصاية الذكورية عليهن. لذلك، فإن البعض من الفتيات ممن تجاوزن هذا الواقع، يستخدمن مواقع التواصل لكن بأسماء مستعارة، لكون ذلك غير مقبول اجتماعيًا".
هويات غير حقيقية
يأتي تنكير الفتيات أسماءهن على مواقع التواصل الاجتماعي بوصفه إجراءً احترازيًا حتى لا يتعرف عليهن المجتمع المحيط بهن على مواقع التواصل تلبية لرغبة الأسرة. تحاول مروى ناجي (اسم مستعار، 22 عامًا، من محافظة إب) تحقيق شغفها في الكتابة والنشر والتفاعل على منصات التواصل، لكن الأهل في كل مرة يمنعونها من إعطائها هذه المساحة. لكن بعد فترة، تلقت موافقة مشروطة، بحيث لا تظهر باسمها الحقيقي. ولذلك لم تستطع استخدام أي شبكة تواصل عامة مثل فيسبوك أو تويتر باسمها الصريح، بل ظلت تتخفى تحت أسماء مستعارة وتتفاعل مع العالم على ذلك النحو. تقول: "لم أتمكن من الظهور بهويتي الحقيقية، أرتاد فيسبوك وبعض المنصات الأخرى مخفية هويتي الحقيقية بما فيها اسمي وعمري ومدينتي، يعود ذلك لرغبة الأهل، كونهم محافظين جدًا ويعد ذلك تجاوزًا غير مشروع قد يكلفني الكثير في حال خالفت هذا المبدأ". وتضيف للجندر: "مشاركة رأيي والتفاعل مع المجتمع ومناقشة قضاياه من خلف هوية ليست حقيقية شيء صعب نوعًا ما، فكون الرأي يأتي من شخص مجهول الهوية يفقده قيمته ويضعف من إمكانية التفاعل معه. وحين أحاول الحديث عن قضايا تخصني بوصفي امرأة، أواجه الكثير من الاتهامات بأنني رجل، لا سيما وأن اسمي المستعار أنثوي".
الفوارق بين الجنسين
تشير التقديرات الإحصائية إلى أن عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في اليمن بلغ حوالي 7,000,000 مستخدم في العام 2018م، بما يعادل 24% من إجمالي السكان. وقد قفز الرقم إلى حوالي 8,700,000 مستخدم حتى نهاية العام 2022م، أي بزيادة قدرها 5.6% عن العام السابق 2021م. ويستخدم نحو 11% من السكان شبكات التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتها موقع فيسبوك، بأكثر من 3,200,000 مستخدم، بنسبة 83% من الذكور في مقابل 17% فقط من الإناث. يعود اتساع الفجوة بين الجنسين إلى الاعتبارات التي ذكرناها آنفًا، والتي جعلت الفارق كبيرًا بين الجنسين، بحيث لا تتجاوز نسبة الإناث الربع.
ظواهر رقمية
للعادات والتقاليد المجتمعية دورٌ محوري في تكوين الوعي القبلي، وما يرسخ هذه العادات أكثر في عقل العائلة، أسباب أخرى فرضتها مواقع التواصل الاجتماعي نفسها والتي جعلت أرباب العوائل أكثر تحفظاً تجاه الفتيات، حيثُ تتفشى على مواقع التواصل ظواهر كثيرة كالتحرش اللفظي، والابتزاز الرقمي، حيث شكلت تلك الظواهر حالة قلق لدى الأسرة تجاه المرأة، والذي اقتضى منعها تماماً من الدخول لهذه الشبكات أو إعطائها حقاً هامشياً مع ممارسة رقابة صارمة من لدن الأسرة.
تقول أ. زينب عبد الله، معلمة لغة، وناشطة على موقع فيسبوك: "أغلب ما لاحظته خلال احتكاكي بكثير من الفتيات، أن أكبر معضلة يوجهانها هي اللعب على العار والعيب من خلال ابتزاز الفتيات عبر صورهن أو محادثاتهن، تفشي هذه الظواهر جعلت الكثير من الأسر تخشى وقوع بناتهم في هذا الفخ، الأمر الذي يترتب عليه المنع التام للفتيات من استخدام منصات التواصل، أو بشكل جزئي من خلال ممارسة الرقابة عليهن، وهو إشكال لا علاقة للمرأة فيه بل ينبغي حل هذا الإشكال لدى الذكور أنفسهم بدلاً من إلقاء اللوم كله على الفتاة.
ومما لا شك فيه أن مواقع التواصل شكلت أهمية قصوى في حياة المجتمع، حيث من الممكن الإسهام في نشر قضايا تهم المجتمع نفسه، بما يكفل إيصال هذه القضايا للمسؤولين، بالإضافة لتبادل المعرفة، ونشر الوعي، واكتساب الخبرات والمهارات، ويأتي دور المرأة اليمنية مهما جدا في هذه الناحية إذ إن مواقع التواصل الاجتماعي تشكل نافذة على العالم، وبتعزيز حضورهن، تتمكن المرأة من مناقشة قضاياها مثل زواج القاصرات، والأمية (يفيد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بأن عدد الإناث في المدارس الابتدائية لا يتعدى 52.8 بالمئة من أعداد الذكور) بالإضافة للاستفادة من هذه المنصات في الجانب العملي، حيثُ تقدم عشرات المواقع على الانترنت فرصاً كثيرة للعمل عن بعد، بتكلفة بسيطة قد يلبي احتياجات المرأة التي تدنت نسبة تواجدها في سوق العمل "بحسب المعهد العربي للبحوث والسياسات - نواة" أن معدل مشاركة القوى العاملة في اليمن 38٪ أغلبهم من فئة الرجال، إذ تأتي نسبة البطالة لدى النساء حوالي 25٪ في 2019م مقابل 12٪ لدى الرجال، من هنا تأتي حاجة المرأة الملحة للاستفادة من هذه المنصات والإنترنت عموما في الربح والتكسب من خلال العديد من الوسائل.
(تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا للإعلام والتنمية)