الطلاق في خريف العمر: ضحايا بلا معيل في مجتمع محافظ

 

 

تقرير مبارك الباشا

رغم كونه مشروعا من الناحية القانونية، إلا أن الطلاق في سن الشيخوخة باليمن من الأمور المستغربة لدى الكثير من الناس داخل المجتمع.

وهو إلى جانب كونه مستغربا؛ يضع الطلاق ضحاياه المسنات -المفتقرات إلى المعيل- أمام تحديات نفسية واجتماعية جسيمة مقارنة بالتحديات الاعتيادية التي قد تواجهها  -على سبيل المثال-  المطلقات من الفئة العمرية المتوسطة.

 

مشهد من المعاناة

بهجة الفلاحي(72) عاما إحدى ضحايا الطلاق في سن الشيخوخة باليمن، تعيش اليوم ظروفا قاسية في منزل زوج ابنتها الذي لجأت إليه قبل نحو عام، بعد تعرضها للطلاق من قبل زوجها الذي تقول إنه تنكر لها وللعشرة الطويلة التي جمعت بينهما.

 

تقول الفلاحي إنها صدمت من تخليه السهل عنها، وذلك بعد أكثر من خمسة عقود تشاركت خلالها الحياة معه، مخلفة له أربع من البنات، هن كل حظهما من الذرية. معربة عن أسفها على الحال الذي انتهت إليه حياتهما الزوجية، وقد رسم شجار بسيط نشب بينهما في إحدى مساءات آذار/ مارس الماضي مشهد نهاية العلاقة بينهما.

 

بهجة المنتمية لمنطقة "عبدان" (شرقي تعز)، تؤكد في حديث إلى "دكة" أن المشكلات بينهما لم تكن تصل إلى حد الطلاق رغم تزوجه عليها بامرأة ثانية سعيا للمواليد الذكور، وتسكين الزوجة الثانية إلى جوارها في منزل واحد. وهي لا تزال غير مستوعبة التحوّل الذي طرأ على زوجها ودفعه إلى تطليقها في هذه المرحلة المتأخرة من العمر.

 

تعيش الفلاحي اليوم بين مرارة انهيار حياتها الزوجية وضغط البقاء في منزل لم تألفه، وهو منزل زوج ابنتها التي اضطرت إلى اللجوء إليه بعد الطلاق. تشعر الفلاحي أنها صارت عبئا على ابنتها التي هي زوجة وأم لخمسة أطفال في أسرة فقيرة، وهي غير راضية عن هذا الوضع الذي وجدت نفسها مضطرة إليه، وباتت تفكر في بناء غرفة مستقلة لها تأويها فيما تبقى من حياتها.

 

تداعيات وأسباب

تتلق النساء المسنات في اليمن الطلاق كصدمة، لوقوعه في الوقت الحرج من عمر المرأة. ويعد الطلاق في سن الشيخوخة من الأمور المعيبة والمستغربة داخل المجتمع اليمني، وينظر إليه كحالة جحود غير مبررة لأفضال الزوجة. تستنكر الفلاحي هذا النوع من الطلاق، معتبرة إياه خيانة للعشرة يتحمل مسؤوليتها الرجال، لتخليهم عن نسائهم في أواخر العمر.

 

ترتبط مشكلة الطلاق في سن الشيخوخة باليمن بتوليفة من أسباب نفسية واجتماعية ومادية متداخلة ببعضها، وذات ارتباط وثيق بأزمة الحرب والصراع الدائر في اليمن منذ عشرة أعوام.

 

يرجع الأستاذ في علم الاجتماع بجامعة صنعاء، الدكتور عبدالكريم غانم؛ جانب من أسباب الطلاق في سن الشيخوخة باليمن إلى ما يمكن اعتباره "انتهازية لدى بعض الأزواج". ويفسر ذلك بأن وصول الزوجة إلى سن الشيخوخة يجعلها عاجزة عن تلبية الوظائف الجنسية والإنجابية، وتصير فاقدة للصلاحية من وجهة نظر نفعية، وذلك ما يدفع الزوج لتطليقها.

 

وفي حديثه إلى منصة "دكة"، يشير غانم، إلى وجود عوامل أخرى تقف خلف هذه المشكلة، وهي أن تكون الزوجة ليست هي أم أبناء الزوج، وتكون هناك خشية من احتمال أن يتوفى قبلها فترثه، لذلك يضغط الأبناء على والدهم باتجاه خيار الطلاق.

 

شلل معياري

يرى غانم أن تفاقم حالة اللا مساواة بين الجنسين التي أحدثتها أزمة الحرب القائمة في اليمن منذ أكثر من عشرة أعوام؛ يساهم في تنامي المشكلة التي -وفق تصريحه-  تشير إلى حالة من التفسخ الاجتماعي، نجمت عن تعرض المجتمع اليمني لاضطرابات وصدمات عنيفة جراء الحرب.

 

وبحسب الباحث الاجتماعي فإن المجتمع اليمني عالق في حالة وسطى بين التقاليد والحداثة، تحول دون التعامل الصائب مع هذه المشكلة، فلا أنه احتكم للأعراف التقليدية التي تضمن للمطلقة الحصول على حقوق إعاشة عند المرض وفي الشيخوخة، ولا هو الذي بلغ مستوى المجتمعات الحداثية بمقومات وأدوات الضبط والعدالة التي تملكها.

قصور قانوني

لا توجد نصوص قانونية في الدستور تضمن حقوقا ثابتة للمطلقة في سن الشيخوخة باليمن، باستثناء مادة واحدة -غير فعالة- تطرقت لذلك، وهي المادة ٧١ من قانون الأحوال الشخصية، التي تتيح -للمرأة المطلقة تعسفا- الحصول على تعويض مالي من طليقها على ألا يتجاوز نفقة عام.

على أن ذلك التعويض الذي قد تحصل عليه ضحايا الطلاق المتعسف ومنهن المطلقات في سن الشيخوخة -بعد رفع دعوى قضائية- يظل تعويضا محدودا، لا يضمن إعاشة دائمة للمطلقة فيما تبقى من حياتها.

هذا إلى جانب أن نجاح الدعوى في هذه القضية مرهون -إضافة إلى توفر قرائن تثبت حدوث التعسف- باقتناع القاضي ورؤيته الشخصية للقضية، كما تقول المحامية هدى الصراري، التي تشير أيضا إلى أن أغلب المطلقات المسنات في اليمن لا يلجأن إلى القضاء، إنما يتم حل مشاكلهن أسريا في كثير من الأحيان.


حقوق ضائعة

بين ضعف واختلال الأعراف الاجتماعية المنظمة لشؤون الأسرة وافتقار الدستور للقوانين الكافلة لحق الإعاشة والرعاية للمطلقات في سن الشيخوخة ولكبار السن عموما؛ تضيع الكثير من حقوق المسنين في اليمن.

بهجة الفلاحي هي واحدة من المئات وربما الآلاف من المسنات اللائي يتعرضن للطلاق في كل عام باليمن، وذلك بحسب تقديرات تقريبية. فلا توجد إحصائية متخصصة بعدد المطلقات في سن الشيخوخة باليمن، إنما تشير التقديرات العامة إلى تزايد معدلات الطلاق في البلد خلال السنوات الأخيرة إلى ما نسبته80٪ زيادة عن الأعوام السابقة للحرب. فقد بلغت حالات الطلاق خلال العام  2019فقط، أكثر من 54 ألف حالة.

واليوم تعاني الفلاحي ومثيلاتها ظروفا معيشية قاسية، ويعشن بلا حماية اجتماعية ولا حقوق إعاشة في مرحلة عمرية هن فيها أحوج ما يكن إلى الرعاية والعناية والاهتمام.

أما الحكومة اليمنية فلا يبدو أنها تكترث لمصير الفلاحي ومثيلاتها، فهي -بحسب إفادة سابقة لمصدر في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل-
غير مهتمة برعاية كبار السن الذين تقطعت بهم سبل الحياة. وليست هناك أي برامج حكومية لاستيعاب هذه الفئة، لا في مناطق سلطة الحكومة الشرعية ولا في نطاق سيطرة جماعة الحوثي.

 

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية.

 

 

 

231